تعالى، فإذا خلقه فيه استحال من العبد أن لا يتصف حينئذ به، وإذا لم يخلقه فيه استحال أن يتصف به، فأي معنى لكون العبد قادرا عليه؟ وأيضا الذي هو مكتسب العبد إما أن يكون واقعا بقدرة الله فلا أثر للعبد فلا يكون مكتسبا له وإن وقع بالقدرتين معا فلا تكون قدرة الله تعالى مستقلة، والمفروض بالخلاف، فبقي أن يكون بقدرة العبد، وعن القاضي: أن ذات الفعل واقعة بقدرة الله تعالى ثم يحصل لذلك الفعل صفة طاعة أو صفة معصية، فهذه الصفة تقع بقدرة العبد. وضعف بأن المحرم من الجلوس في الدار المغصوبة ليس إلا شغل تلك الأحياز، فهذا الشغل إن حصل بفعل الله تعالى فعين المنهي عنه قد خلقه الله فيه وهذا تكليف ما لا يطاق، وإن حصل بقدرة العبد فهو المطلوب. وزعم الأستاذ أبو إسحق الإسفرايني أن ذات الفعل تقع بالقدرتين، وزيف بأن قدرة الله مستقلة بالتأثير. ومنهم من زعم أن القدرة الحادثة مع الداعي توجب الفعل، فالله تعالى هو الخالق للكل بمعنى أنه سبحانه هو الذي وضع الأسباب المؤدية إلى دخول هذه الأفعال في الوجود، والعبد هو المكتسب بمعنى أن المؤثر في وقوع فعله هو القدرة والداعية القائمتان به، وإلى هذا ذهب إمام الحرمين وهو مناسب لقول الفلاسفة. وزعم جمهور المعتزلة أن القدرة مع الداعي لا توجب الفعل بل العبد قادر على الفعل والترك متمكن منهما إن شاء فعل وإن شاء ترك وهذا هو الفعل والكسب. فهذا تقرير المذاهب، وقول الأشعري أقرب إلى الأدب، وقول إمام الحرمين أقرب إلى التحقيق لأن نسبة الأثر إلى المؤثر القريب لا تنافي كون ذلك المؤثر منسوبا إلى أثر آخر بعيد، ثم إلى أبعد إلى أن ينتهي إلى مسبب الأسباب وفاعل الكل ومبدأ المبادئ وإليك الاختيار بعقلك دون هواك.
[التأويل:]
من قوله وَإِذِ ابْتَلى البلاء للولاء كاللهب للذهب فأصدقهم ولاء أشدهم بلاء وَإِذِ ابْتَلى الخليل بكلمات هي أحكام النبوة الخصال العشر في جسده ولوازم الرسالة الصبر عند صدمات المكروهات وفقدان المألوفات. وموجبات الخلة التبري عما سوى الخليل إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ [الأنعام: ٧٨] وعداوة غير الخليل فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ [الشعراء: ٧٧] ورفع الوسائط حيث قال له جبريل في الهواء هل لك من حاجة؟ فقال: أما إليك فلا والتسليم أسلمت لرب العالمين، والرضا بما أمر به عند ذبح الولد فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [الصافات: ١٠٣] بخلاف ما قال نوح إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي [هود: ٤٥] فلا جرم زيد له في الاصطفاء وشرف بكرامة الإمامة والاقتداء به وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ [البقرة: ١٢٥] بيت القلب كما
جاء «أن الله تعالى أوحى إلى داود فرغ لي بيتا أسكن فيه فقال: وكيف يا رب؟ فقال: فرغ لي قلبك»