للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُلْطانٌ تسلط وولاية عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ وهذا معنى الاستعاذة. فإن معناها بالحقيقة راجع إلى التبري عما سوى الله والتوجه بالكلية إليه والاعتماد في جميع الأمور عليه. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ عن ابن عباس: أي يطيعونه. يقال: توليته أي أطعته. وتوليت عنه أي أعرضت عنه. أما الضمير الواحد في قوله: وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ فقيل: راجع إلى الرب. وقيل: إلى الشيطان أي بسببه.

[التأويل:]

وَيَوْمَ نَبْعَثُ فيه إشارة إلى أن لأرواح الأنبياء إشرافا على أممهم في حال حياتهم وبعد وفاتهم، وفيه أن الدنيا مزرعة الآخرة فلا يقبل في القيامة اعتذار وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا أي وضعوا الكفر وأعمال الطبيعة موضع الإيمان وأعمال الشريعة فَلا يُخَفَّفُ عن أرواحهم أثقال الأخلاق الذميمة وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ لتبديل مذمومها بمحمودها وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا وهم عبدة الدنيا والهوى إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ في أنا دعوناكم إلى عبادتنا فإنا كنا مشغولين بتسبيح الله سبحانه وطاعته وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ منعوا الأرواح والقلوب عن طلب الله زِدْناهُمْ عذاب الحرمان عن الكمال فوق خسران النسيان بإفساد الاستعداد الفطري. وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً لأن روحه شاهد على جميع الأرواح والقلوب والنفوس

لقوله: «أول ما خلق الله روحي»

تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ يحتاج إليه السالك في أثناء سلوكه إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وهو وضع الآلات وأسباب تحصيل الكمال في مواضعها بحيث يؤدي إلى مقام الوصال والكمال وَالْإِحْسانِ وهو أن تحسن إلى الخلق بما أعطاك الله كقوله: وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: ٧٧] . وفي قوله: وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى إشارة إلى أن من جملة العدالة رعاية حال الأقرب فالأقرب. فيبدأ بتكميل نفسه ثم بما هو أقرب إليه قربا معنويا لا صوريا وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وهو صرف ما آتاه الله في غير مصرفها وَالْمُنْكَرِ وهو ضد المعروف وهو أن لا يحسن إلى غيره وَالْبَغْيِ وهو أن لا يراعي الترتيب المذكور في باب الإرشاد والتكميل. وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ يوم الميثاق. وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا بجزاء وفائكم وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها فيه إشارة إلى حال المريد المرتد أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هي أهل الدنيا في الدنيا أعلى حالا من أمتهم أهل الآخرة. وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ عهودكم مع المشايخ شبكة تصطادون بها الدنيا وقبول الخلق فتزل أقدامكم عن صراط الطلب مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى هما القلب والنفس.

والعمل الصالح من النفس استعمال الشريعة والطريقة، ومن القلب التوجه إلى الله بالكلية، والحياة الطيبة للنفس أن تصير مطمئنة مستعدة لقبول فيض ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر:

٢٨] وللقلب أن يصير فانيا عن أنانيته باقيا بشهود الحق وجماله، وحينئذ يطيب عن دنس

<<  <  ج: ص:  >  >>