للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دليل الإعادة كما في أول السورة وهذا قول أبي مسلم. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ قال الكلبي:

لطيف في أفعاله خبير بأعمال خلقه، وقال مقاتل: لطيف باستخراج النبت خبير بكيفية خلقه. وقال ابن عباس: لطيف بأرزاق عباده خبير بما في قلوبهم من القنوط وقد مر مثل هذه في أواسط «الأنعام» . ثم بين أن كل ما في السموات والأرض ملكه وملكه لا يمتنع شيء منها من تصرفاته، وهو غني عن كل ذلك وإنما خلقها لحاجة المكلفين إليها ومن جملتها المطر والنبات خلقها رحمة للحيوانات وإنعاما عليها. وإذا كان إنعامه خاليا عن غرض عائد إليه كان مستحقا للحمد بل هو حميد في ذاته وإن لم يحمده الحامدون.

[التأويل:]

وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ قالب أَهْلَكْناها بضيق الصدر وسوء الخلق واستيلاء الغفلة. وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ هي القلب الفارغ عن أعمال القوى الروحانية في طلب المعارف والحقائق وَقَصْرٍ مَشِيدٍ وهو الرأس الخالي عن نتائج الفكر الصافي والحواس السليمة أَفَلَمْ يَسِيرُوا في أرض البشرية عابرين على منازل السالكين إلى أن يصلوا إلى مقام القلب فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها الرحمن بذاته أَوْ آذانٌ قلوب يَسْمَعُونَ بِها أقواله أو أبصار بصائر يبصرون بها أفعاله. وإذا صح وصف القلب بالسمع والبصر صح وصفه بسائر وجوه الإدراكات، فقد يدرك نسيم الإقبال بمشام السر

كقوله «إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن» «١»

وكقول يعقوب إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ [يوسف: ٩٤] وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ليس خلفه في وعيد المؤمنين بخلف في الحقيقة لأنه تصديق

قوله «سبقت رحمتي غضبي» «٢»

وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ قيل: لأنه موجد الزمان وليس عنده صباح ولا مساء فوجود الزمان وعدمه وكثرته وقلته سواء عنده والاستعجال وضده إنما يتصور في المتزمنات قلت: ففيه أن الكل بإرادته وإن ما أراد الله فأسبابه متهيئة يحصل في يوم بإرادته ما لا يحصل في ألف سنة بحسب فرضنا وتقديرنا ومن هنا قيل: جذبة من جذبات الرحمن توازي عمل الثقلين أَمْلَيْتُ لَها فيه أنه تعالى يمهل ولكنه لا يهمل لَهُمْ مَغْفِرَةٌ أي ستر فمنهم من يستر زلته، ومنهم من يستر عليه أعماله الصالحة صيانة له عن الملاحظة، ومنهم من يستر عليه حاله لئلا يصيبه من الشهوة فتنة كما قيل:

لا تنكرن جحدي هواك فإنما ... ذاك الجحود عليك ستر مسبل


(١) رواه أحمد في مسنده (٢/ ٥٤١) .
(٢) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب ١٥، ٢٢، ٢٨. مسلم في كتاب التوبة حديث ١٤- ١٦.
الترمذي في كتاب الدعوات باب ٩٩. ابن ماجة في كتاب المقدمة باب ١٣. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٢، ٢٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>