للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتفضل به» ممنوع لأن ذلك التفاوت إنما يحصل في حق من يستنكف من تفضله، أما الذي حصل ذاته وصفاته بإحسانه فكيف يستنكف من تفضله؟ قلت: لقائل أن يقول: مجرد الاستبعاد لا يصلح للمنع على أن لذة الأجر يستحيل أن تحصل بدون الأجر. ثم نزه نفسه بقوله سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ والغرض أن الخلق والاختيار والإعزاز والإذلال والإهانة والإجلال كلها مفوض وجوبها إليه ليس لأحد فيه شركة ومنازعة. ثم أكد ذلك بقوله وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ من عداوة نبيه وَما يُعْلِنُونَ من مطاوعتهم فيه.

ويحتمل أن يكون عاما يشمل السرائر والظواهر كلها وهو المستأثر بالإلهية. ولا إِلهَ إِلَّا هُوَ تقرير لما قبله لَهُ الْحَمْدُ فِي الدار الْأُولى على نعمه الفائضة على البر والفاجر وَفي الدار الْآخِرَةِ كقولهم الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [فاطر: ٣٤] وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠] والتحميد هناك على وجه اللذة لا التكليف. قال أهل السنة: الثواب يستحق عند المعتزلة فلا يستحق الحمد بفعله من أهل الجنة، وأما أهل النار فلم ينعم عليهم حتى يستحق الحمد منهم. والجواب ما ذكرناه أن تحميدهم يجري مجرى التنفس. قال القاضي: إنه يستحق الحمد من أهل النار أيضا بما فعل بهم في الدنيا من التمكين والتيسير والألطاف وسائر النعم، وأنهم بإساءتهم لا يخرج ما أنعم الله به عليه من أن يوجب الشكر. وقال في التفسير الكبير: فيه نظر، لأن أهل الآخرة مضطرون إلى معرفة الحق فإذا علموا أن التوبة واجبة القبول وأن الشكر مما يوجب الثواب فلا بد أن يتوبوا ويشتغلوا بالشكر ليستحقوا الثواب ويتخلصوا من العقاب. ولقائل أن يقول:

لا يلزم من وجوب قبول التوبة واستحقاق الجزاء على العمل في دار التكاليف أن يكون الأمر كذلك في غير دار التكاليف. ثم بين بقوله وَلَهُ الْحُكْمُ أن القضاء بين العباد مختص به فلولا حكمه لما نفذ على العبد حكم سيده، ولا على الزوجة حكم زوجها، ولا على الابن حكم أبيه، ولا على الرعية حكم سلطانهم، ولا على الأمة حكم رسولهم وإلى محل حكمه وقضائه يرجع كل عبيده وإمائه.

[التأويل:]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى القلب مقام القرب والوحي والمكالمة وكشف العلوم بعد هلاك فرعون النفس وصفاتها لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ إذ كانوا في عالم الأرواح مستمعين خطاب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] وَما كُنْتَ في غرب العدم بل كنت في شرق الوجود في عالم الأرواح إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى أمر اتخاذ العهد منه أن يؤمن بك كقوله وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ [آل عمران: ٨١] وما كنت في عالم الشهادة وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً في عالم الشهادة فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ فاحتجوا بالنفس وصفاتها ونسوا تلك

<<  <  ج: ص:  >  >>