[الكهف: ٧٧] وهذا أقرب كقوله لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ [البقرة: ١٦٢] ويؤيده ما يروى عن الحسن أن النار تضربهم بلهبها فترفعهم حتى إذا كانوا في أعلاها ضربوا بالمقامع فهو وافيها سبعين خريفا. وإنما اختصت هذه السورة بقوله مِنْ غَمٍّ وهو الأخذ بالنفس حتى لا يجد صاحبه مخلصا لأنه بولغ هاهنا في أهوال النار بخلاف ما في السجدة وإنما أضمر هاهنا قبل قوله وَذُوقُوا بخلاف «السجدة» . وقيل لهم ذوقوا لأنه وقع الاختصار هاهنا على عَذابَ الْحَرِيقِ وهناك أطنب فقيل ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ [السجدة: ٢٠] وأيضا قد تقدم ذكر القول في تلك السورة كثيرا بخلافه هنا والله تعالى أعلم.
هي مواد الأشياء فإن لكل شيء مادة ملكوتية ترضع رضيعها من الملك وتربيه وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ
وهي الهيوليات حَمْلَها
وهو الصور الكمالية التي خلقت الهيوليات لأجلها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى
الغفلة والعصيان وحب الدنيا والجاه والرياسة وغيرها وَما هُمْ بِسُكارى
العشق والمحبة والمعرفة فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ أي كنتم ترابا ميتا فبعثنا التراب بأن خلقنا منه آدم، ثم أمتنا منه النطفة، ثم بعثناها بأن جعلناها علقة ثم مضغة ثم خلقا آخر لنبين لكم أمر البعث والنشور وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ أمهات العدم ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وهو وقت إيجاده بحسب تعلق الإرادة به، وفيه دليل على أنه لا يبعد أن يكون الفاعل كاملا في فاعليته ولكن لا تتعلق إرادته بالمقدور فيبقى في حيز العدم إلى حين تعلق الإرادة به، ومنه يظهر حدوث العالم ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا من أطفال المكونات خارجا من رحم العدم مستعدا للتربية والكمال. وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى عن الشهوات فيحيا بحصول الكمالات وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلى أسفل سافلين الطبيعة وَتَرَى أرض القالب هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا ماء حياة المعرفة والعلم اهْتَزَّتْ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ في الإلهية وَأَنَّهُ يُحْيِ القلوب الميتة وَأَنَّ السَّاعَةَ قيامة العشق والخدمة للطالبين الصادقين آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ القلوب المحبوسة في قبور الصدور عَذابَ الْحَرِيقِ بنار الشهوات لكنه لا يحس بها في الدنيا لأنه نائم بنوم الغفلة فإذا مات انتبه مَنْ كانَ يَظُنُّ فيه أن العبد يجب أن يكون حسن الظن بالله ثُمَّ لْيَقْطَعْ مادة تقديري في الأزل ونزول أحكامي في القدر فَلْيَنْظُرْ هَلْ ينقطع أم لا هذانِ خَصْمانِ يعني النفس الكافرة والروح المؤمنة قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ بتقطيع خياط القضاء على قدرهم وهي ثياب نسجت من سدى مخالفات الشرع ولحمة موافقات الطبع. يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ حميم الشهوات النفسانية. وفي لفظ الفوق دلالة على أنهم مغلوبون تحتها، وفيه أن الخيالات الفاسدة