للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآخرة أضر الأشياء بأنفعها. فَما أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ تعجب من حالهم في تلبسهم بمواجب النار من غير مبالاة منهم، فإن الراضي بموجب الشيء لا بد أن يكون راضيا بمعلوله ولازمه إذا علم ذلك اللزوم كما تقول لمن يتعرض لما يوجب غضب السلطان «ما أصبرك على القيد والسجن» وهذا التعجب منهم في حال التكليف واشترائهم الضلالة بالهدى. وعن الأصم: أن المراد أنه إذا قيل لهم اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:

١٠٨] فهم يسكتون ويصبرون على النار لليأس من الخلاص. وضعف بأنه خلاف الظاهر وبأن أهل النار قد يقع منهم الجزع والاستغاثة. وقيل: إن «ما» في فَما أَصْبَرَهُمْ للاستفهام لمعنى التوبيخ معناه أي شيء صبرهم عليها حتى تركوا الحق واتبعوا الباطل؟

وهذا أصل معنى فعل التعجب والتعجب استعظام الشيء مع خفاء سبب حصول عظم ذلك الشيء هذا هو الأصل، ثم قد يستعمل لفظ التعجب عند مجرد الاستعظام من غير خفاء السبب كما في حق الله تعالى ذلِكَ الوعيد الشديد أو ذلك الكتمان وسوء معاملتهم إنما هو بسبب بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ يعني جنس الكتب السماوية أو القرآن بِالْحَقِّ بالصدق أو ببيان الحق وقد نزل في جملة ما نزل أن هؤلاء الرؤساء من أهل الكتاب لا يؤمنون ولا يكون منهم إلا الإصرار على الكفر فإنه تعالى ختم على قلوبهم وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ جنسه فقالوا في البعض حق وفي البعض باطل وهم أهل الكتاب لَفِي شِقاقٍ خلاف بَعِيدٍ عن الحق، أو الذين اختلفوا في القرآن فقال بعضهم شعر، وبعضهم سحر، وبعضهم أساطير الأولين، أو الذين اختلفوا في التوراة والإنجيل فقدح كل منهما في الآخر، أو ذكر كل منهما للآيات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم تأويلا آخر فاسدا، أو حرفوا كلا منهما على وجه آخر لأجل عداوتك هم فيما بينهم في شقاق بعيد ومنازعة شديدة. فلا ينبغي أن تلتفت إلى اتفاقهم على العداوة، فإنه ليس فيما بينهم مؤالفة وموافقة. وعن أبي مسلم: اختلفوا في الكتاب أي توارده مثل إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ [يونس: ٦] أي تعاقبهما. واعلم أن الآية وإن نزلت في أهل الكتاب، يشبه أن تكون عامة في كل من كتم شيئا من باب الدين فيكون حكما ثانيا للمسلمين، ويصلح أن يتمسك بها القاطعون بوعيد أصحاب الكبائر. وكان السبب في تعقيب هذا الحكم الحكم الأول أن أهل الكتاب قد حرموا بعض ما أحل الله كلحوم الإبل وألبانها وأحلوا بعض الشحوم، فسيقت الآية تعريضا بصنعهم وتصريحا بجزائهم وجزاء أضرابهم والله أعلم.

[التأويل:]

الميتة جيفة الدنيا والدم وهي الشهوات النفسانية

«إن الشيطان يجري من ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>