ثم دل على وجود الحاشر بقوله وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قائما أو ملتبسا بِالْحَقِّ بالحكم اللطيفة والغايات الصحيحة والأغراض المطابقة، وذلك أنه أودع في هذه الأجرام قوى وخواص وآثارا تتضمن مصالح الأبدان ومباهج نوع الإنسان وهكذا خلق يَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ فقوله فاعل فَيَكُونُ ويَوْمَ مفعول خَلَقَ والمعنى أنه تعالى خلق العالم من الأفلاك والطبائع والعناصر والمواليد، وخلق يوم القيامة لرد الأرواح إلى الأجساد بطريق «كن فيكون» وعلى هذا يجوز أن يكون قوله الْحَقُّ مبتدأ وخبرا مستأنفا، أو قوله الْحَقُّ مبتدأ ويَوْمَ يَقُولُ ظرف دال على الخبر مثل «يوم الجمعة القتال» أي القتال واقع يوم الجمعة. والمراد أن قضاءه في ذلك اليوم حق وصدق خال عن الجور والعبث وَيَوْمَ يُنْفَخُ ظرف لقوله وَلَهُ الْمُلْكُ كقوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر: ١٦] والمقصود أنه لا ملك في ذلك اليوم إلا له من غير دافع ولا منازع.
والصور باتفاق أكثر أهل الإسلام قرن ينفخ فيه ملك من الملائكة كما جاء في مواضع من القرآن وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ [الزمر: ٦٨] ففزع فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ [المدثر: ٨] وقال أبو عبيدة: الصور جمع صورة مثل صوف وصوفة. وخطأه الأئمة فقالوا: كل جمع على لفظ الواحد سبق جمعه واحده فواحده بزيادة هاء فيه كالصوف، أما إذا سبق الواحد الجمع فليس كذلك كغرفة وغرف ولهذا يجمع صورة الإنسان على صور بالفتح كقوله فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ [غافر: ٦٤] ومن أسكن فقد أخطأ، ومما يدل على أن الصور هو القرن لا جمع صورة الإنسان أنه تعالى لم يضف النفخ إلى نفسه كما قال وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص: ٧٢] فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا [الأنبياء: ٩١] ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون: ١٤] ثم لما بين كمال قدرته بقوله وله الملك ذكر كمال علمه بقوله عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أي هو العالم بكل المعلومات القادر على كل المقدورات وَهُوَ الْحَكِيمُ المصيب في أقواله وأفعاله الْخَبِيرُ النافذ علمه في بواطن الحقائق من غير اشتباه والتباس، فإن أمر البعث لا يتم إلا بقدرة كاملة وعلم تام كيلا يشتبه المطيع والعاصي والصديق والزنديق.
وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً من صفات قهره حتى لو أرادت نفسه الخروج عن قيد مجاهدتها قهرتها سطوات العتاب فردتها إلى بذل الجهد، وإن أراد قلبه فرجة عن مطالبات العزة قهرته صدمات الهيبة فردته إلى توديع البهجة، ولو أراد روحه استرواحا من الحرقات قهرته بوارق التجلي فردته إلى بذل المهجة حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ يعني الفناء عن أوصاف