للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يغلب فإن قيل: إن إلقاءهم الحبال والعصي معارضة المعجز بالسحر وذلك كفر والأمر صابرين في مقابلة المائتين، ولم لا يجوز أن يكون المراد إن حصل عشرون صابرون في مقابلة المائتين فليشتغلوا بجهادهم، وإذا كان الشرط غير حاصل في حق هؤلاء لقوله وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فلا جرم لم يثبت ذلك الحكم فلا يتصور النسخ. ولفظ التخفيف لا يقتضي ورود التثقيل قبله لأن مثل هذا الكلام قد تقوله العرب ابتداء. ومما يدل على عدم النسخ تقارن الآيتين، والناسخ يجب أن يكون بعد المنسوخ بزمان. وهذا حاصل قول أبي مسلم وهو إنما يستحق الجواب لو لم يحصل قبله إطباق على حصول هذا النسخ والله تعالى أعلم. ومعنى قوله وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً ظهر معلومه فلا يبقى لهشام حجة في مذهبه أنه تعالى لا يعلم الجزئيات إلا بعد وقوعها. والمراد بالضعف قبل الضعف في البدن وقيل في البصيرة والاستقامة في الدين وكانوا متفاوتين في ذلك. والظاهر أن المراد الضعف الإنساني المذكور في قوله وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً [النساء: ٢٨] .

[التأويل:]

يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ لأن الكافر ذاهب عن الدنيا مع تعلقه بها فيحصل له ألم من جهة الخلف ويقبل على الآخرة ولا نور له يبصر به ما أمامه فيحصل له تألم من قدام ولَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً مبدلا حسن تقديم واستعداد أعطاهم الله بضده حَتَّى يُغَيِّرُوا بالكفر والتكذيب ما بِأَنْفُسِهِمْ من نعم الاستعداد الفطري الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ يا روح في الأزل لأن نورك وصفتك غلب على ظلمة النفس وصفاتها فَشَرِّدْ يا روح بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ أي بالغ في تبديل صفات النفس وفي تزكيتها بحيث يؤثر نور تبدلها في الصفات التي وراءها فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ أي أظهر عداوتك معهم وَجاهِدْهُمْ أنهم لا يعجزون أي النفوس الكافرة تحت تصرفي فلا تقنطوا من رحمتي في إصلاح حالهم من قوة الروح وغلبات صفاتها وإعداده بمداومة الذكر وقطع التعلق وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ ومن ربط القلب بطريق المراقبة لئلا يلتفت إلى الدنيا وزينتها تُرْهِبُونَ بالذكر والمراقبة عَدُوَّ اللَّهِ الشيطان وَعَدُوَّكُمْ النفس والهوى وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ من نفوس شياطين الإنس لا تَعْلَمُونَهُمُ أنهم عدوّكم من الأحباب والأصدقاء والأقرباء اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ أنهم عدوّ لكم كقوله إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ [التغابن: ١٤] وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ من شهوات النفس ولذاتها وزينتها بطريق الذكر والمراقبة يُوَفَّ إِلَيْكُمْ فوائد من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بين الروح والقلب والسر وبين النفس وصفاتها. لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ وجودك من السعي والجد والاجتهاد لما بين الروح النوراني والنفس الظلماني من التضاد وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بين الروح والنفس وبين القلب والقالب ليكون الشخص الإنساني طلسما على كنز وجوده لم يكسر الطلسم

<<  <  ج: ص:  >  >>