إنما يتذكر أولوا الألباب رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا عن صراطك بغلبات ظلمات طبائعنا وطباعنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا إلى حضرة جلالك ونور جمالك حتى سمعنا بلب سمعنا لب التنزيل، وشاهدنا بلب أبصارنا لب التأويل، وتذكرنا بلب عقولنا علومنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً تجذبنا من لدنا إلى لدنك وتغنينا عنا بك إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ. وفيه إشارة إلى أن وظيفة الطالب أن لا يسكن في مقام ولا يقف مع حال بل يكون إلى الأبد طلابا كما كان الله من الأزل إلى الأبد وهابا. وكما أنه لا نهاية لمواهبه فلا غاية لمطالب طالبه، وأن بعد هذه الدار دارا هي دار القرار يوفى فيها جزاء الأبرار والفجار. فحصول الأرب بقدر رعاية الأدب في الطلب. ومقاساة التعب والنصب، وإن التقوى خير زاد للمعاد إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا استروا أنوار روحانيتهم بظلمات صفات نفسانيتهم لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ طاغوت أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ أنوار الله التي حجبوا عنها وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ نار الفرقة والقطيعة نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: ٦، ٧] لا نار الجحيم التي لا تحرق إلا قشور الجلود ولا تخلص إلى لب القلوب. وإن عذاب حرقة لجلود بالنسبة إلى عذاب فرقة القلوب وحرقة القطيعة عن الله كنسيم الحياة إلى سموم لممات.
في فؤاد المحب نار هوى ... أحر نار الجحيم أبردها
وكذلك دأب جميع الكفار الذين ستروا أنوار روحانيتهم بظلمات صفات النفس فعموا وصموا عن مشاهدة أنوارنا ومحافظة أسرارنا، فأخذهم الله فعاقبهم بحجاب ذنبوبهم وحرقة قلوبهم وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ أليم نار فراقه عظيم عذاب بعده وإشراقه.
بالنار خوّفني قومي فقلت لهم ... النار ترحم من في قلبه نار