الشريعة وقانون الطريقة لتتحلى الأرواح بأنوار الحقيقة وَلَقَدْ كُنْتُمْ يا أرباب الصدق وأصحاب الطلب تَمَنَّوْنَ موت النفوس عن صفاتها تزكية لها مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ بالمجاهدات والرياضات في خلاف النفس وقهرها عند لقاء العدو في الجهاد الأصغر ظاهرا وفي الجهاد الأكبر باطنا فَقَدْ رأيتم هذه الأسباب التي كنتم تمنونها عيانا وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ لا تفدون أرواحكم ولا تجاهدون حق الجهاد في الله بأرواحكم وأشباحكم أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فيه أن الإيمان التقليدي لا اعتبار له فينقلب المقلد عن إيمانه عند إعدام المقلد من الوالدين أو الأستاذ، وكذا عند موت المقلد فيعجز عند سؤال الملكين في قولهما له من ربك؟ فيقول: هاه لا أدري. فيقولون: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: هاه لا أدري كنت أقول فيه ما قال الناس. فيقولان له: لا دريت ولا تليت. وَسَيَجْزِي اللَّهُ بالإيمان الحقيقي الشَّاكِرِينَ الذين شكروا نعمة الإيمان التقليدي بأداء حقوقه وهو الائتمار بأوامر الشرع والانتهاء عن نواهيه. وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ عن أوصافها الدنية وأخلاقها الردية وتتخلص عنها بطبعها إلا بتوفيق الله وجذبه وإشراق نوره كما أن ظلمة الليل لا تنتهي إلا بإشراق طلوع الشمس. ثم أثبت للعبد كسبا في طلب الهداية واستجلاب العناية بقوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وهذه رتبة الخواص أي من عمل شوقا إلى الحق فقد رأى نعمة وجود المنعم، فثوابه نقد في الدنيا لأنه حاضر لا غيبة له وهو معنى قولهم «الصوفي ابن الوقت» وفيه أنشد:
خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ... بأكرم من مولى تمشى إلى عبد
أتى زائرا من غير وعد وقال لي ... أصونك عن تعذيب قلبك بالوعد
ومن عمل شوقا إلى الجنة فنظره على النعمة فثوابه في الآخرة وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ أي كلا الفريقين على قدر شكرهما. وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ أعدى العدو الذي بين جنبيه ومَعَهُ رِبِّيُّونَ متخلقون بأخلاق الرب فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ من تعب المجاهدات وَما ضَعُفُوا في طلب الحق وَمَا اسْتَكانُوا باحتمال الذلة والالتفات إلى غير الله. إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا أي النفوس الكافرة وصفاتها يَرُدُّوكُمْ إلى أسفل سافلين بشريتكم وبهيميتكم.