للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا وجهلوا شيئا آخر، علموا أنه لا خلاق لهم في الآخرة، وجهلوا مقدار ما فاتهم من منافع الآخرة وما حصل لهم من مضارّها وعقوباتها، سلمنا أن القوم واحد والمعلوم واحد، ولكنهم نسبوا إلى الجهل حيث لم يعملوا بعلمهم ولم ينتفعوا به كما قيل: إنهم صم بكم عمي حيث لم ينتفعوا بالحواس. ولما أوعدهم بقوله وَلَقَدْ عَلِمُوا أتبع ذلك الوعد جامعا بين الترهيب والترغيب ليكون أدعى إلى الطاعة وأنهى عن المعصية فقال وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا بعين ما نبذوه من كتاب الله وهو القرآن أو التوراة التي يصدقها القرآن أو كلاهما، واتقوا فعل المنهيات وترك المأمورات، أو اتقوا الله فتركوا ما هم عليه من نبذ كتاب الله واتباع كتب الشياطين لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لشيء من ثوابه خَيْرٌ ولا بد من تقدير فعل يكون «أن» مع ما بعده فاعلا له، أي لو ثبت أنهم آمنوا، وجواب «لو» محذوف أيضا ويدل عليه هذه الجملة الاسمية المصدرة باللام أي لأثيبوا وإنما تركت الفعلية إلى هذه ليدل على ثبات المثوبة واستقرارها. ويجوز أن يكون القسم مقدرا وقوله لَمَثُوبَةٌ جوابه سادا مسد جواب الشرط مغنيا عنه، ودخول اللام الموطئة في الشرط غير واجب في القسم المقدر وإن كان هو الأكثر، على أن دخول اللام الموطئة في «لو» مستثقل فيشبه أن يكون الأكثر بل الواجب هاهنا عدم الدخول. ويجوز أن يكون «لو» للتمني مجازا عن إرادة الله إيمانهم كأنه قيل: وليتهم آمنوا. ثم ابتدئ لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أن ثواب الله خير مما هم فيه لآمنوا واتقوا، وقد علموا لكنه جهلهم لترك العمل بالعلم. ويجوز أن يكون «لو» بمعنى التمني كما تقرر والله تعالى أعلم

. التأويل:

وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ النفوس عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ الروح الذي هو خليفة الله في أرضه وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ الروح وَلكِنَّ الشَّياطِينَ النفس والهوى كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ من تخييلات الهواجس وتمويهات الوساوس وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ فتنة وخذلانا من العلوم الضارة غير النافعة كشبهات الفلاسفة والمبتدعة على ملكي الروح والقلب بِبابِلَ الجسد هارُوتَ الروح وَمارُوتَ القلب فإنهما من العالم العلوي الروحاني أهبطا إلى الأرض العالم الجسماني بالخلافة لإقامة الحق وإزهاق الباطل فافتتنا بزهرة الحياة الدنيا واتبعا خداعها فوقعا في شبكة الشهوة التي تركت فيها ابتلاء وامتحانا، وشربا خمر الحرص والغفلة التي تخامر العقل، وزنيا ببغي الدنيا الدنية، وعبدا صنم الهوى فعذبا منكسين برؤوسهما بالالتفات إلى السفليات وإعراضهما عن العلويات، فحرما استماع خطاب الحق وكشف حقائق العلوم النافعة الموجبة للجمعية، ومع هذا من خصوصية الملائكة الروحانية ما يعلمان أحدا من الصفات البهيمية والسبعية والشيطانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>