للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُوقِبْتُمْ بِهِ ط لِلصَّابِرِينَ هـ يَمْكُرُونَ هـ مُحْسِنُونَ هـ.

[التفسير:]

هذا شروع في حكاية شبهات منكري نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس: كان إذا أنزلت آية فيها شدة ثم نزلت آية ألين منها قالت كفار قريش: إن محمدا يسخر من أصحابه يأمرهم اليوم بأمر وينهاهم عنه غدا وإنه لا يقول هذه الأشياء إلا من عند نفسه فنزل: وَإِذا بَدَّلْنا ومعنى التبديل رفع الشيء مع وضع غيره مكانه، وتبديل الآية رفعها بآية أخرى غيرها وهو نسخها بآية سواها. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ شيئا فشيئا على حسب المصالح مغلظا ثم مخففا أو بالعكس بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ فوائد النسخ والتبديل. قال أبو مسلم: أراد تبديل آية مكان آية في الكتب المتقدمة مثل آية تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة. وسائر العلماء أطبقوا على أن المراد بهذا التبديل النسخ. ونقل عن الشافعي أن القرآن لا ينسخ بالسنة لأنه تعالى أخبر بتبديل مكان الآية. وضعف بأنه لا يلزم من وجود التبديل بالآية نفي التبديل بغيرها كالسنة المتواترة إذ لا دلالة في الآية على الحصر، وقد مر مباحث النسخ مفصلة مستوفاة في سورة البقرة. قُلْ نَزَّلَهُ أي القرآن رُوحُ الْقُدُسِ هو جبرائيل والإضافة للمبالغة مثل «حاتم الجود» . والمراد الروح المقدس المطهر عن دنس المأثم مِنْ رَبِّكَ صلة نزله أي ابتداء تنزيله من عنده. وقوله:

بِالْحَقِّ حال أي متلبسا بالحكمة والصواب. لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا كقوله: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً [الأنفال: ٢] فيقول كل من الناسخ والمنسوخ من عند ربنا وكل منهما في وقته خير وصلاح لأن الذي نزله حكيم لا يفعل إلا ما هو خير في أوانه وصواب بالنسبة إلى المكلف حين ما يكلف به. وَهُدىً وَبُشْرى معطوفان على محل لِيُثَبِّتَ أي تثبيتا لهم وإرشادا وبشارة، وفيه تعريض بحصول أضداد هذه الخصال لغيرهم. ثم حكى شبهة أخرى عنهم. كانوا يقولون: إن محمدا يستفيد القصص والأخبار من إنسان آخر ويتعلمها منه. واختلف في ذلك البشر فقيل كان غلاما لحويطب بن عبد العزى قد أسلم وحسن إسلامه اسمه عائش ويعيش وكان صاحب كتب. وقيل: هو جبر غلام رومي كان لعامر بن الحضرمي. وقيل: عبدان جبر ويسار كانا يصنعان السيوف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر وقف عليهما يسمع ما يقرآن فقالوا يعلمانه.

وقيل: هو سلمان الفارسي. ثم أجاب عن شبهتهم فقال مستأنفا لِسانُ الَّذِي واللسان اللغة والمعنى لسان الرجل الذي يُلْحِدُونَ يميلون قولهم عن الاستقامة إِلَيْهِ لسان أَعْجَمِيٌّ غير بيّن وَهذا القرآن لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ذو بيان وفصاحة وقد مر في آخر «الأعراف» أن تركيب الإلحاد يدل على الإمالة ومنه الملحد لأنه أمال مذهبه عن الأديان

<<  <  ج: ص:  >  >>