للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التفسير:]

لما بين من حال القوم أنهم عرفوا نعمة الله ثم أنكروها وأن أكثرهم كافرون أتبعه أصناف وعيد يوم القيامة والتقدير وَاذكر يَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً أو يوم وقعوا فيما وقعوا فيه. وشهيد كل أمة نبيها يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق والكفر والتكذيب ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي في الاعتذار إذ لا حجة لهم ولا عذر، أو في كثرة الكلام، أو في الرجوع إلى دار الدنيا، أو إلى التكليف ليظهر لهم كونهم آيسين من رحمة الله تعالى، أو المراد أن يسكت أهل الجمع كلهم حتى يشهد الشهود. وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ لأن العتاب إنما بطلب لأجل العود إلى الرضا، فإذا كان على عزم السخط فلا فائدة في العتاب فلهذا قيل:

إذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقي العتاب

وقال في الكشاف: أي لا يقال لهم أرضوا ربكم لأن الآخرة ليست بدار عمل.

ومعنى «ثم» أن المنع من الكلام أصعب من شهادة الأنبياء عليهم. وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وهم المشركون الْعَذابَ بعينهم وثقل عليهم فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ ليتوبوا فإن التوبة هناك غير موجودة أو غير مقبولة وفيه أنت عذابهم خالص عن النفع دائم كما يقوله المتكلمون. وَإِذا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكاءَهُمْ وهي الأصنام أو الشياطين الذين دعوا الكفار إلى الكفر وكانوا قرناءهم في الغي. قاله الحسن. قالُوا رَبَّنا هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا أي نعبدهم من دونك. قال أبو مسلم الأصبهاني:

مقصود المشركين إحالة هذا الذنب على تلك الأصنام ظنا منهم أن ذلك ينجيهم من عذاب الله أو ينقص منه، وزيفه القاضي بأن الكفار يعلمون في الآخرة علما ضروريا أن العذاب ينزل بهم ولا نصرة ولا شفاعة فما الفائدة في هذا القول؟ والإنصاف أن الغريق يتعلق بكل شيء والمبهوت قد يقول ما لا فائدة فيه، على أن العلم الضروري الذي ادعاه القاضي ممنوع. وقيل: إن المشركين يقولون هذا الكلام تعجبا من حضور تلك الأصنام مع أنه لا ذنب لها واعترافا بأنهم كانوا خاطئين في عبادتها. فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ

أي قال الأصنام أو الشياطين للكفار إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ فإن قيل: إن المشركين أشاروا إلى الأصنام أن هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوهم من دونك وقد كانوا صادقين في ذلك فكيف كذبتهم الأصنام؟

فالجواب أن المراد من قولهم: هؤُلاءِ شُرَكاؤُنَا هؤلاء شركاء الله في المعبودية فكذبتهم الأصنام في إثبات هذه الشركة وفي قولهم إنها تستحق العبادة. قال جار الله: إن أراد بالشركاء الشياطين جاز أن يكونوا كاذبين في قوله: إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ كما يقول الشيطان إني كفرت بما أشركتموني من قبل [إبراهيم: ٢٢] . وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ عن

<<  <  ج: ص:  >  >>