للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب في ترك اتخاذ اللهو واللعب ليس هو العجز والضعف ولكن لأن الحكمة تنافيه، معنى مِنْ لَدُنَّا من جهة قدرتنا وقيل: اللهو الولد بلغة اليمن أو المرأة، وقيل: من لدنا أي من الملائكة لا من الإنس ردا على من قال: عزير ابن الله والمسيح ابن الله. ويحتمل أن يقال من لدنا أي من عندنا على سبيل الخفية فلا تعرفونه ولا تسمعون اسمه فيكون الرد شاملا لكل من ادعى لله ولدا ولو من الملائكة. ثم أضرب عن اتخاذ اللهو واللعب فوصف نفسه بما يضاد فعل العبث قائلا بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ يعني الباطل زاهِقٌ أي ففاجأ الدمغ زهوق الباطل، قال علماء المعاني: هذا من باب استعارة المحسوس للمعقول بجامع عقلي: فأصل استعمال القذف والدمغ في الأجسام لأن القذف الرمي بنحو الحجارة، والدمغ من دمغه إذا شجه حتى بلغت الشجة الدماغ، ثم استعير القذف لإيراد الحق على الباطل، والدمغ لإذهاب الباطل بجامع الزهوق، ثم وبخهم ونعى عليهم بما وصفوه بالولد وغير ذلك مما لا يجوز عليه وينافي وجوب الوجود بما وصفوا رسوله به من السحر والشعر وغير ذلك من الأوصاف المضادة للرسالة فقال وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ أي تصفونه به. ثم بين كمال قدرته ونهاية حلمه وحكمته فقال وَلَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ والمراد بمن عنده الملائكة المقربون والمقصود عندية الشرف والرتبة. فأما عندية المكان ففيها بحث طويل. قال الزجاج: لا يَسْتَحْسِرُونَ أي لا يتعبون ولا يمسهم الإعياء. قال جار الله: كان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور ولكنه ذكر بلفظ المبالغة وهو «استفعل» لبيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور، وأنهم أحقاء بتلك العبادات الشاقة بأن يستحسروا ومع ذلك لا يعدّونها تعبا عليهم. ثم أكد ذلك بقوله يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ منصوبان على الظرفية لا يَفْتُرُونَ لا يلحقهم الفتور والكلال. وحاصل الآية أؤن الملائكة مع غاية شرفهم ونهاية قربهم لا يستنكفون عن طاعة الله، فكيف يليق بالبشر مع ضعفهم ونقصهم أن يتمردوا عن طاعته؟ وقد مر في أول سورة البقرة استدلال مفضلي الملائكة على الأنبياء بهذه الآية وبغيرها فلا حاجة إلى إعادته عن عبد الله بن الحرث بن نوفل قال: قلت لكعب الأحبار: أرأيت قول الله عز وجل يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ثم قال:

جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فاطر: ١] أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ [البقرة: ١٦١] أليس الرسالة واللعن مانعين لهم عن التسبيح؟ أجاب كعب بأن التسبيح لهم كالنفس لنا لا يمنعهم عن الاشتغال بشيء آخر. واعترض بأن آلة التنفس فينا مغايرة للسان فلهذا صح اجتماع التنفس والتكلم. وأجيب بأنه لا استبعاد في أن يكون لهم ألسن كثيرة، أو يكون المراد بعدم الفتور أنهم لا يتركون التسبيح في أوقاته اللائقة به.

[التأويل:]

اقترب لأهل النسيان أن يحاسبوا أنفسهم كقوله أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ [الحديد: ١٦]

<<  <  ج: ص:  >  >>