الركض تحريك الرجل على الدابة استحثاثا لها ثم كثر حتى قيل ركض الفرس إذا عدا، فعلى هذا يجوز أن القوم كانوا يعدون على أرجلهم فقيل لهم لا تركضوا. والقائل إما من الملائكة أو من المؤمنين أو يجعلون أحقاء بأن يقال لهم ذلك، أو أسمع رب العزة ملائكته هذا القول لينفعهم في دينهم، أو ألهم الله الكفار ذلك فحدثوا به أنفسهم: وَارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ من العيش الهنيء والإتراف إبطار النعمة لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ غدا عما جرى عليكم وعلى أموالكم ومساكنكم فتجيبوا السائل عن علم ومشاهدة، أو أجلسوا في مجالسكم حتى يسألكم عبيدكم وحشمكم بما تأمرون وماذا ترسمون فينفذ فيهم أمركم ونهيكم، أو يسألكم الناس مستعينين بتدابيركم بآرائكم، أو يسألكم الوافدون وأرباب الطمع مستمطرين سحاب أكفكم إما لأنهم كانوا أسخياء ولكن سمعة ورياء، إما لأنهم بخلاء وفي كل هذه الوجوه تهكم بهم وتوبيخ لهم فَما زالَتْ تِلْكَ الدعوى وهي قولهم يا وَيْلَنا لأن المولول كأنه يدعو الويل دَعْواهُمْ الأول اسم «ما زال» والثاني خبره أو بالعكس.
والدعوى بمعنى الدعوة وقد مر في قوله وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ [يونس: ١٠] والحصيد المحصود كقوله مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ شبهوا بالزرع المستأصل والنار التي تخمد فتصير رمادا أي جعلناهم مشبهين بالمحصود والخامد، ووحد حَصِيداً لأن المراد زرعا حصيدا، ولأن «فعيلا» قد يستوي فيه الواحد والجمع، عن ابن عباس أن الآية نزلت في حضور وسحول قريتين باليمن تنسب إليهما الثياب.
وفي الحديث كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثوبين سحوليين.
وروى حضوريين بعث الله إليهم نبيا فقتلوه فسلط الله عليهم بختنصر كما سلطه على أهل بيت المقدس فاستأصلهم فكأن القوم حصدوا بالسيف
وروي أنه لما أخذتهم السيوف نادى مناد من السماء بالثارات الأنبياء.
قال أهل النظم: لما بين إهلاك كثير من القرى لأجل ظلمهم وتكذيبهم منها اللتان رواهما ابن عباس، أتبعه ما يدل على أنه فعل ذلك عدلا ومجازاة لا عبثا ولا مجازفة فقال:
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ الآية أي وما سوينا هذا السقف المرفوع والمهاد الموضوع وَما بَيْنَهُما من الأركان والمواليد كما تسوّي الجبابرة سقوفهم وفرشهم وسائر زخارفهم للهو أو اللعب، وإنما سويناهما لغايات صحيحة ومنافع للخلق دينية ودنيوية كما مر طرف منها في أول «البقرة» ويمكن أن يقال: المقصود من سياق الآية تقرير نبوة محمد والرد على منكريه لأنه ظهر المعجز عليه، فإن كان صادقا فهو المطلوب، وإن كان كاذبا كان إظهار المعجز عليه من باب اللعب وهو منفي عنه سبحانه. قال القاضي عبد الجبار: فيه دليل على أنه لا يخلق اللعب وكل قبيح وإلا كان لاعبا وعورض بمسألتي العلم والداعي. ثم بين أن