وقال صلى الله عليه وسلم «المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يتعدى المظلوم»«١»
ثم ختم السورة بآية جامعة للوعيد كله فقال وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا خصصه بعضهم بالشعراء إذا خرجوا عن حد الإنصاف، ومالوا إلى الجور والاعتساف، ولعله عام يتناول لكل من ظلم نفسه بالإعراض عن تدبر ما في هذه السورة بل القرآن كله. وقوله أَيَّ مُنْقَلَبٍ صفة لمصدر محذوف والعامل يَنْقَلِبُونَ أي ينقلبون في الدركات السفلى انقلابا أيّ منقلب ولا يعمل فيه سَيَعْلَمُ لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله. وعن ابن عباس أنه قرأه بالفاء والتاء والمراد سيعلمون أن ليس لهم وجه من وجوه الانفلات وهو النجاة.
[التأويل:]
ولو نزلناه على بعض الأعجميين فيه إظهار القدرة من وجهين: الأول جعل الأعجمي بحيث يقرأ العربي عليهم كقول القائل: أمسيت كرديا وأصبحت عربيا.
والثاني أن أهل الإنكار لا يصيرون أهل الإقرار ولو أتاهم مثل هذا الإعجاز البين، وذلك لأن الله كذلك يسلكه في قلوبهم فيأتيهم عذاب البعد والطرد في الدنيا بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ لأنهم نيام فإذا ماتوا انتبهوا فيقولون هل نحن منظرون. وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ لأنهم خلقوا من النار والقرآن نور قديم فلا يكون للنار المخلوقة قوة حمل النور القديم، ولهذا تستغيث النار من نور المؤمن وتقول: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي. فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ لأن كل من طلب مع الله شيئا آخر حتى الجنة فله عذاب البعد والحرمان من الله.
وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ فيه أن النسب نسب النفوس فإن أكل المرء يشبعه ولا يشبع ولده. إلا إذا أكل الطعام كما أكل والده وهذا معنى المتابعة. إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ لم يقل
«إني بريء منكم»
لأن المراد لا تبرأ منهم وقل لهم قولا جميلا بالنصح والموعظة الحسنة حتى يرجعوا ببركة دعوتك إلى القول الحق، أو ينالوا الجنة بواسطة شفاعتك. وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ بأن خلق روح كل ساجد من روحك. إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ في الأزل مقالتك «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» لأن أرواحهم خلقت من روحك الْعَلِيمُ باستحقاقك لهذه الكرامة الله تعالى حسبي.
(١) رواه مسلم في كتاب البر حديث ٦٩. أبو داود في كتاب الأدب باب ٣٩. الترمذي في كتاب البر باب ٥١. أحمد في مسنده (٢/ ٢٣٥، ٤٨٨) (٤/ ١٦٢) .