للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الملائكة قبلهم في قولهم: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ [البقرة: ٣٠] ويمكن أن يقال: إن لكل إنسان معراجا بحسب قوته فإذا وصل العارف الصادق إلى صفات جلال الله تعالى قال سبحانك، وإذا ارتقى منها إلى الذات قال اللهم، فإذا عجز عن ذلك المضمار واحترق في أوائل تلك الأنوار رجع من عالم الجلال إلى عالم الإكرام فأفاض الخير على جميع المحتاجين ويدفع المخافات والمكاره عنهم بكل ما أمكنه وذلك قوله: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ ثم إذا شاهدوا أثر نعمة الله عليهم بالاستفاضة والإفاضة اختتموا الكلام بقولهم:

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. وعلى هذا يدور أمرهم في العروج والنزول ما داموا في الدنيا فيكون كذلك حالهم في العقبى

لقوله: «كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون» .

[التأويل:]

الر فيه إشارتان: إحداهما من الحق المحق إلى حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم كأنه قال: بآلائي عليك في الأزل وأنت في العدم وبلطفي عليك في الوجود وبرحمتي ورأفتي لك من الأزل إلى الأبد. والثانية من الحق لنبيه عليه السلام إليه يقول بإنسك معي حين خلقت روحي ولم يكن ثالث، وبلبيك الذي أجبتني به حين دعوتك للخروج من العدم فقلت: ياسين أي يا سيد فقلت: لبيك وسعديك والخير كله بيديك. وبرجوعك منك إلى حين قلت لنفسك بجذبة ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر: ٢٨] تِلْكَ أي هذه الآيات المنزلة عليك آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ الذي وعدتك في الأزل وراثته لك ولأمتك.

والحكيم الحاكم على الكتب كلها فلا ينسخه كتاب وهو ينسخ الشرائع والأحكام والكتب كلها إِلى رَجُلٍ مِنْهُمْ لما رأى فيه رجولية قبول الوحي دون غيره، ويحتمل أن يكون معنى للناس الناسي عهد الله قَدَمَ صِدْقٍ محمد صلى الله عليه وسلم لأنه أول من خرج من العدم إلى الوجود، أو هو العناية الأزلية

«سبقت رحمتي غضبي» «١»

لَساحِرٌ مُبِينٌ صدقوا في أنهم مسحورون إلا أنه سحرهم سحرة صفات فرعون النفس. إن الذي يربيكم هو الذي خلق السموات سموات أرواحكم وأرض نفوسكم من ستة أنواع هي: الروح والقلب والعقل والنفس الحيواني والنفس النباتي والصورة المعدنية ثُمَّ اسْتَوى على عرش القلب يُدَبِّرُ أمر السعادة والشقاوة يقلبه كيف يشاء. إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فرجعوا مقبولين بجذبات العناية التي صورتها خطاب ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [الفجر: ٢٨] وحقيقتها انجذاب القلب إلى الله ونتيجتها عزوف النفس عن الدنيا واستواء الذهب والمدر عندها ورجوع


(١) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب ١٥. مسلم في كتاب التوبة حديث ١٤- ١٦. الترمذي في كتاب الدعوات باب ٩٩. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٢، ٢٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>