للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاجرا. وأيضا ظاهر العمل الصالح لا يفيد اليقين بالجنة، فلا عمل إلا بالإخلاص، ولا حكم بالإخلاص إلا لله تعالى، لأنه من عمل القلب وقلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء. ولهذا

جاء «والمخلصون على خطر عظيم»

وكان دأب الصدّيقين أن يخلطوا الطمع بالخوف، والرغبة بالرهبة، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً [السجدة: ١٦] وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً [الأنبياء: ٩٠] وقيل: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ [يونس:

٦٢] أمامهم فليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت، فآمنهم الله تعالى ثم سلاهم فقال لهم وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس: ٦٢] على ما خلفوه بعد وفاتهم في الدنيا. ثم إن الأئمة خصصوا نفي الخوف والحزن بالآخرة، لأن مجاري الأمور في الدنيا لا تخلو من مواجب الخوف والحزن.

وقال صلى الله عليه وسلم «خص البلاء بالأنبياء ثم بالأولياء ثم الأمثل فالأمثل» «١»

قلنا: المؤمن الراضي بقضاء الله وقدره لا يرى شيئا من المكاره مكروها، وإنما مراده مراد حبيبه فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء: ٦٥] فبترك الإرادة يصح نسبة العبودية، وبالرضوان يحصل مفاتيح الجنان، وتنكشف الهموم والأحزان، ويتساوى الفقر والوجدان، وتثبت حقيقة الإيمان وَالَّذِينَ كَفَرُوا لجحدهم مولاهم وَكَذَّبُوا بِآياتِنا لإثباتهم حكما لهم بحسب مشتهاهم وهواهم أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ وملازموها دائما سرمدا سواء كانوا من الإنس أو من الجن، أعاذنا الله منها بعميم فضله وجسيم طوله.

[التأويل:]

إنكم تسجدون لله بالطبيعة الملكية الروحانية اسْجُدُوا لِآدَمَ بخلاف الطبيعة تعبدا ورقا وانقيادا للأمر وامتثالا للحكم، اسجدوا له تعظيما لشأن خلافته وتكريما لفضيلته المخصوصة به، فمن سجد له فقد سجد لله تعالى كما قال إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ اسجدوا لآدم لأجل آدم فإن عبادتكم وطاعتكم لا توجب ثوابا لكم ولا تزيد في درجاتكم، ولكن فائدتها تعود إلى الإنسان لقوله يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ ولأن الإنسان يقتدي بهم في الطاعة ويتأدب بآدابهم في امتثال الأوامر والانزجار عن الإباء والاستكبار، كيلا يلحقه من اللعن والبعد ما لحق إبليس فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لأنهم خلقوا من نور، والنور من شأنه الانقياد والإفاضة، وأنه خلق من نار والنار من شأنها الاستعلاء طبعا وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ لأنه ستر الحق على آدم كما سمي إبليس لأنه أبلس الحق. وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ


(١) رواه البخاري في كتاب المرضى باب ٣. ابن ماجة في كتاب الفتن باب ٢٣. الدارمي في كتاب الرقاق باب ٦٧. الترمذي في كتاب الزهد باب ٥٧ أحمد في مسنده (١/ ١٧٢، ١٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>