البشرية وعاهات الدنيا فهي رأس كل خطيئة، فإن لم يتحرزوا عنها وقعوا بالاستدراج إلى حيث خرجوا عنها نعوذ بالله من الحور بعد الكور أو نقول: إن الله تعالى بعد إذ هداهم بالإفناء عن الوجود إلى البقاء بالجود لا يردهم إلى بقاء البقاء وهو الإثبات بعد المحو والصحو بعد السكر وقد سماه المشايخ الإثبات التأني حتى يبين لهم ما يتقون من الأعمال والأقوال رعاية لتلك الأحوال. إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ سموات القلوب وَالْأَرْضِ أرض النفوس يُحْيِي بنور ربوبيته من يشاء وَيُمِيتُ عن صفات بشريته من يشاء وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ فلا يشغلنكم طلب الملك عن المالك فإن طالب الملك لا يجد الملك ولا المالك وطالب المالك يجد الملك والمالك جميعا لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ التوبة فضل من الله ورحمة، فقدم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم على المهاجرين ليكون وصول فضله إليهم بعد العبور على النبي تحقيقا لقوله وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ عسرة الدنيا وترك شهواتها. أو نقول لَقَدْ تابَ اللَّهُ أي أفاض أنوار عرفانه على نبي الروح ومهاجري صفاته الذين هاجروا معه من مكة- عالم الروح- إلى مدينة الجسد وَالْأَنْصارِ من القلب والنفس وصفاتهما الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ رجوعه إلى عالم العلو بالعسرة لأنهم من عالم السفل. وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا من النفس والهوى والطبع وما تبعوا الروح عند رجوعه إلى عالمه ابتلاء حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ أرض البشرية شوقا إلى تلك الحضرة وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ تحننا إلى نيل تلك السعادات وتحقق لهم بنور اليقين أن لو بقوا في السفل لا ملجأ لهم من عذاب البعد عن الله إلا الفرار إليه ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ بجذبة العناية، ولو وكلهم إلى طبيعتهم ما سلكوا طريق الحق أبدا مع الصادقين الذين صدقوا يوم الميثاق والله أعلم.