للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمؤتمن بل ضامن ولهذا لا يكون وارث المودع مقبول القول فلم يكن له بد من تجديد عهد وإيمان حتى يصير أمينا عند الله ويصير القول قوله فيكون له ما كان لآدم من الفوز، ولهذا ذكر ما فيه عاقبة حمل الأمانة قائلا لِيُعَذِّبَ إلى قوله وَيَتُوبَ إشارة إلى الفريقين. ثم وصف نفسه بكونه غفورا رحيما بإزاء كون الإنسان ظلوما جهولا ولا يخفى ما في هذه الإشارة من البشارة.

[التأويل:]

اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً فمن أحب شيئا أكثر ذكره. وأهل المحبة هم الأحرار عن رق الكونين والحرّ يكفيه الإشارة هُوَ الَّذِي يُصَلِّي أي لولا صلاتي عليكم لما وفقتم لذكري كما أنه لولا سابقة محبتي لما هديتم إلى محبتي، فكان في الأزل بالمؤمنين رحيما فلهذا أخرجهم في الأبد من ظلمة الوجود المجازي إلى نور الوجود الحقيقي إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً لنا بنعت المحبوبية وَمُبَشِّراً للطالبين برؤية جمالنا وَنَذِيراً للبطالين عن كمال حسننا وحسن كمالنا وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ لا بطبعك وهواك وَسِراجاً مُنِيراً في أوقات عدم الدعوة، وذلك أن النظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم كاف لمن كان له قلب مستنير، فإذا انضمت الدعوة إلى ذلك كان في الهداية غاية. وفضلا كبيرا هو القلب المستنير. إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ لما اتصفت نفسه بصفات القلب وزال عنها الهوى اتصفت دنياه بصفات الآخرة فحل له في الدنيا ما يحل لغيره في الآخرة إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ صلاة تليق بتلك الحضرة المقدّسة مناسبة لحضرة النبوّة بحيث لا يفهم معناها غيرهما منها الرحمة، ومنها المغفرة الواردة، ومنها الشواهد، ومنها الكشوف، ومنها المشاهدة، ومنها الجذبة، ومنها القربة، ومنها الشرب، ومنها الري، ومنها السكون، ومنها التجلي، ومنها الفناء في الله، ومنها البقاء به، وهكذا لأمته بحسب مراتبهم كقوله أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: ١٥٧] إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ هي قبول الفيض الإلهي بلا واسطة ولهذا سمي أمانة لأن الفيض من صفات الحق فلا يتملكه أحد. وقد اختص الإنسان بإصابة رشاش النور الإلهي فكان عرض الفيض عاما على قلب المخلوقات ولكن كان حمله خاصا بالإنسان لأن نسبة الإنسان إلى سائر المخلوقات نسبة القلب إلى الشخص، فالروح يتعلق بالقلب ثم يصل فيضه بواسطة العروق والشرايين إلى سائر البدن فيتحرك به وهذا سر الخلافة إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً لأنه خلق ضعيفا وحمل قويا جَهُولًا لأنه ظن أنه خلق للمطعم والمشرب والمنكح ولم يعلم أن هذه الصورة قشر وله لب وللبه لب وهو محبوب الله. فبقوّة الظلومية والجهولية حمل الأمانة ثم بروحه المنوّر برشاش الله أدّى الأمانة فصارت الصفتان في حق حامل الأمانة ومؤدي حقها مدحا، وفي حق الخائنين فيها ذمّا. ولما لم يكن لروح الملائكة

<<  <  ج: ص:  >  >>