هناك على قوله تُراباً والتراب أبعد في باب الإعادة من العظام، فقدم ليدل على مزيد الاعتناء به في شأن الاستنكار. ثم رد على منكري الإعادة أو على عبدة الأوثان بقوله قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي إن كان عندكم علم فأجيبوني وفيه استهانة بهم وتجهيل لهم بأمر الديانات حتى جوّز أن يشتبه عليهم مثل هذا المكشوف الجلي. وفي قوله أَفَلا تَذَكَّرُونَ ترغيب في التدبر وبعث على التأمل في أمر التوحيد والبعث، فإن من قدر على اختراع الأرض ومن فيها كان حقيقا بأن لا يشرك به بعض خلقه وكان قادرا على إعادة ما أفناه، وفي قوله أَفَلا تَتَّقُونَ مثل هذا الترغيب مع التخويف وكان أولى بالآية الثانية لأجل التدرج ولتعظيم السموات والعرش، ولأن تذكر واجب الوجود مقدم على اتقاء مخالفته، قال جار الله: أجرت فلانا على فلان إذا أغثته منه ومنعته يعني وهو يغيث من يشاء ممن يشاء ولا يغيث أحد منه أحدا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ بهذه الصفة غيره فأجيبوني به.
ومعنى تُسْحَرُونَ تخدعون عن طاعته والخادع هو الشيطان والهوى. ثم بين بقوله بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ أنه قد بالغ في الحجاج عليهم بهذه الآيات حتى استبان بما هو الحق والصدق وَإِنَّهُمْ مع ذلك لَكاذِبُونَ حيث يدعون له الولد والشريك وينسبون إليه العجز عن الإعادة.
[التأويل:]
مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ إشارة إلى استيلاء سلطان الهيبة في الحضور والغيبة بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ هي ما يكاشف لهم من شواهد الحق في السر والعلانية بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ هو ترك الملاحظة في رد الناس وقبولهم ومدحهم وذمهم وانقطاع النظر في المضار والضار عن الوسائط والأسباب يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ يتوجهون إلى الله وينقطعون عما سواه وَهُمْ لَها سابِقُونَ على قدر سبق العناية وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها كلفهم أن يقولوا لا إله إلا الله وهم قادرون على ذلك، وأمرهم بقبول دعوة الأنبياء وما هم بعد بعاجزين عنه، وقد كتب في اللوح أنهم يقدرون على هذه التكاليف. وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ فلا يكلفون ما ليس في وسعهم واستعدادهم حتى إذا أخذنا أَكابِرَ مُجْرِمِيها مجرميهم بعذاب فساد الاستعداد لفسدت سموات أرواحهم وأرض نفوسهم ومن فيهن من القلب والسر وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فيه أن العلماء بالله عليهم أن لا يدنسوا وجوه قلوبهم الناضرة بدنس الأطماع الفارقة. وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ أولا بعذاب الغبن حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باب عذاب الرين يحيي بنوره قلوب بعض عباده ويميت نفوسهم عن صفاتها الذميمة، أو يحيي بعض النفوس باتباع شهواتها ويميت بعض القلوب باستيلاء ظلمات الطبيعة عليها وَلَهُ اخْتِلافُ ليل البشرية ونهار الروحانية أو طول ليل الفراق وقصر نهار الوصال قالُوا