عظم العضد والكتف، والنكباء للريح التي تعدل عن مهاب الرياح للقوم. ثم بين إصرارهم على الكفر بقوله وَلَوْ رَحِمْناهُمْ الآية.
يروى أنه لما أسلم ثمامة بن أثال الحنفي ولحق باليمامة ومنع الميرة عن أهل مكة وأخذهم الله بالسنين حتى أكلوا العلهز، جاء أبو سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنشدك الله والرحم ألست تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين؟ فقال:
بلى. فقال الآباء بالسيف والأبناء بالجوع فادع الله أن يكشف عنا الضر فأنزل الله الآية.
والمعنى لو كشف الله برحمته هذا الهزال والجوع عنهم لأصروا على ما هم فيه من الطغيان.
ثم استشهد على ذلك بقوله وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ أي قبل ذلك بِالْعَذابِ يعني ما جرى عليهم يوم بدر فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ أي ما خضعوا له وقد مر اشتقاقه في «آل عمران» وَما يَتَضَرَّعُونَ عدل إلى المضارع لأنه أراد وما من عادة هؤلاء أن يتضرعوا حتى فتحنا عليهم باب العذاب الشديد وهو الجوع الذي هو أشد من الأسر والقتل، فأبلسوا الساعة أي خضعت رقابهم وجاء أعتاهم وأشدهم شكيمة وأخشنهم عريكة يستعطفك. ويحتمل أن يراد محناهم بكل محنة من القتل والجوع فما شوهد منهم انقياد للحق وهم كذلك إذا عذبوا بنار جهنم فحينئذ يبلسون، والإبلاس السكوت مع تحير أو اليأس من كل خير. ثم نبه بقوله وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ على أن أسباب التأمل في الدلائل موجودة، وأبواب الأعذار بالكلية مسدودة، فما كفر من كفر ولا عند من عند إلا للشقاء الأزلي. وفي قوله قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ أي تشكرون شكرا قليلا «وما» مزيدة للتوكيد دليل على أن المقر أقل من الجاحد. وعن أبي مسلم أنه قال: أراد بالقلة العدم. وفي الآية ثلاثة معان: أحدها إظهار النعمة. وثانيها مطالبة العباد بالشكر عليها فشكر السمع أن لا يسمع إلا لله وبالله ومن الله، وشكر البصر أن ينظر بنظر العبرة لله وبالله وإلى الله، وشكر الفؤاد تصفيته عن رين الأخلاق الذميمة وقطع تعلقه عن الكونين لشهوده بالله. وثالثها الشكاية أن الشاكر قليل.
ثم بين دلائل أخر على الوحدانية فقال وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ أي خلقكم وبثكم في الأرض للتناسل وإلى حيث لا مالك سواه تحشرون بعد تفرقكم وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وفيه مع تذكر نعمة الحياة بيان أن المقصود منها الانتقال إلى دار الثواب وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أي هو مختص بتصريفهما وأنهما يشبهان الموت والحياة. وفي قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ توبيخ وتهديد. ثم نبه بقوله بَلْ قالُوا الآيات على أنه لا شبهة لهم في إنكار البعث إلا التشبث بحبل التقليد والاستبعاد. قال علماء المعاني: قوله لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا وارد على الأصل لأن التأكيد مذكور عقيب المؤكد وبعده المفعول الثاني. وأما في سورة النمل فسبب تقديم المفعول الثاني على الضمير وعلى المعطوف هو أنه اقتصر