وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات. والخلاف في أنه إذا لم يوجد ذو فرض أو عصبة فهل يورث ذوو الأرحام أو يوضع المال في بيت المال؟ فقدمهم أبو حنيفة على بيت المال للآية، وعكس الشافعي وقال: إن الآية مجملة في الشيء الذي حصلت فيه هذه الأولوية فلما قال فِي كِتابِ اللَّهِ كان معناه في الحكم الذي بينه الله في كتابه فصارت هذه الآية مقيدة بأحكام آية الميراث فلا تبقى حجة في توريث ذوي الأرحام. واعلم أنه سبحانه قال في أول الآيات وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في براءة بتقديم فِي سَبِيلِ اللَّهِ لأن في هذه السورة تقدم ذكر المال والفداء والغنيمة في قوله تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وفي قوله لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ أي من الفداء وفي قوله فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ وفي براءة تقدم ذكر الجهاد في سبيل الله وهو قوله وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ [التوبة: ١٦] وفي قوله كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة: ١٩] ثم إنه حذف من الآية الثانية بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ اكتفاء بما في الأولى وحذف في الثالثة فِي سَبِيلِ اللَّهِ أيضا اكتفاء بما في الآيتين قبلها والله أعلم. ثم ختم السورة بقوله إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ والمراد أن هذه الأحكام التي ذكرتها وفصلتها كلها حكم وصواب وصلاح وليس فيها عيب وعبث، لأن العالم بجميع المعلومات لا يحكم إلا بالصواب ونظيره أن الملائكة لما قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها قال مجيبا لهم إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ [البقرة: ٣٠] .
[التأويل:]
ما كانَ لِنَبِيٍّ الروح أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى أي نفس مأسورة وقوى موجهة إلى تدبير أمور المعاش والدعوة إلى الله وإن كان تصرفا بالحق للحق حتى يشيع في أرض البشرية قتل القوى والنفوس المنطبعة بسيف الرياضة والمجاهدة، لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوحي يتحنث في غار حراء تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا فيه إشارة إلى أن الإنسان إذا وكل إلى نفسه وطبعه يكون مائلا إلى الدنيا راغبا فيها وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ منكم أي ليس الإنسان من سجيته وطبعه أن يميل إلى الآخرة إنما هو بتوفيق الله إياه وبعنايته الأزلية لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ بأن الإنسان لا يكون منجذبا نحو عالم الأرواح بالكلية وإنما يكون متوسطا بين العالمين مراعيا للطرفين لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ من فداء النفس المأسورة وهو التفاتها إلى تدبير البدن عَذابٌ عَظِيمٌ هو عذاب القطيعة والبعد عن عالم النور فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ من أوقات الجهاد الأكبر من الأنوار والأسرار عند رفع الأستار حَلالًا طَيِّباً نفوسكم عن لوث محبنها فكل ما يشغل المرء عن الالتفات إلى الله فهو شرك وصنم. وَاتَّقُوا اللَّهَ عما سواه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يستر بأنوار