للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخوة الدين والتعاطف. والسرر جمع سرير. قيل: هو المجلس الرفيع المهيأ للسرور.

وقال الليث: سرير العيش مستقره الذي يطمئن عليه حال سروره وفرحه. والتركيب يدور على العزة والنفاسة ومنه قولهم: «سر الوادي لأفضل موضع منه» ومنه السر الذي يكتم.

عن ابن عباس: يريد على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت، وعن مجاهد:

تدور بهم الأسرة حيثما داروا فيكونون في جميع أحوالهم متقابلين. والتقابل التواجه نقيض التدابر، وتقابل الإخوان يوجب اللذة والسرور ليكون كل منهم مقبلا على الآخر بالكلية، وتقابل الأعداء يكون تقابل التضاد والتمانع فيكون موجبا للتباغض والتخالف، واعلم أن الثواب منفعة مقرونة بالتعظيم خالصة من الآفات آمنة من الزوال. فقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ إشارة إلى المنفعة وقوله: ادْخُلُوها رمز إلى أنها مقرونة بالتعظيم، وقوله وَنَزَعْنا إلى قوله: لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ أي تعب تلويح إلى كونها سالمة من المنغصات إلا أن قوله: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ إشارة إلى نفي المضار الروحانية، وقوله: لا يَمَسُّهُمْ إشارة إلى نفي المضار الجسدانية، وقوله: وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ مفيد لمعنى الخلود.

ثم لما ذكر الوعيد والوعد زاده تقريرا وتمكينا في النفوس فقال: نَبِّئْ عِبادِي وفيه من التوكيدات ما لا يخفى: منها إشهاد رسوله وإعلامه، ومنها تشريفهم بإطلاق لفظ العباد عليهم ثم بإضافتهم إلى نفسه، ومنها التوكيد ب «أن» وبالفضل وبصيغتي الغفور والرحيم مع نوع تكرر وكل ذلك يدل على أن جانب الرحمة أغلب كما

قال: «سبقت رحمتي غضبي» «١» .

[التأويل:]

رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي النفوس الكافرة لَوْ كانُوا مستسلمين لأوامر الله ونواهيه، وذلك إنما يكون عند استيلاء سلطان الذكر على القلب والروح، وتنور صفاتها بنور الذكر فيغلب النور على ظلمة النفس وصفاتها وتبدلت أحوالها من الأمّارية إلى الاطمئنان فتمنت حين ذاقت حلاوة الإسلام وطعم الإيمان لو كانت من بدء الخلق مسلمة مؤمنة كالقلب والروح. ثم هدد النفس التي ذاقت حلاوة الإسلام ثم عادت الميشوم إلى طبعها واستحلت المشارب الدنيوية بقوله: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ من القرى البدنية بإفساد استعدادها إِلَّا وَلَها كِتابٌ مكتوب في علم الله من سوء أعماله وأحواله ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها متى يظهر منها ما هو سبب هلاكها وَما يَسْتَأْخِرُونَ


(١) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب: ١٥، ٢٢، ٢٨. مسلم في كتاب التوبة حديث: ١٤- ١٦.
الترمذي في كتاب الدعوات باب: ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>