للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لمن نشأ كما يشاء من غير سياسة سائس ولا تأديب مؤدب؟! وإن شئت فقس الفواكه الجبلية بالفواكه البستانية ولهذا

قال صلى الله عليه وسلم: «إن الجفاء والقسوة في الفدّادين» «١»

أي الأكارين لأنهم يفدّون أي يصيحون. وقوله: وَأَجْدَرُ أي أولى وأحق ب أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ أي مقادير تكاليفه وأحكامه وما تنتهي إليه الأدلة العقلية والسمعية وَاللَّهُ عَلِيمٌ بما في قلوب أهل البدو والحضر وأصحاب الوبر والمدر حَكِيمٌ في كل ما قدر من الشرائع وما يتبعها من الجزاء. ثم نوع جنس الأعراب فقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً هو مفعول ثان ليتخذ لأنه بمعنى الجعل والاعتقاد والزعم أي يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله غرامة وخسران. وقد عرفت أن أصل الغرم اللزوم كأنه اعتقد أنه لزمه لأمر من خارج كتقية أو رياء ليس مما ينبعث من النفس، والمغرم إما مصدر أو موضع.

وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ نوب الزمان وتصاريفه ودوله وكأنها لا تستعمل إلا في المكروه تشبيها بالدائرة التي تحيط بما في ضمنها بحيث لا يوجد منها مخلص. ثم خيّب الله ظنونهم بالإسلام وذويه بأن دعا عليهم بقوله: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وإنها جملة معترضة كقوله غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ [المائدة: ٦٤] والسوء بالفتح مصدر أضيف إليه الدائرة للملابسة كقولك «رجل صدق» . قال في الكشاف: وهو ذم للدائرة لأن من دارت عليه ذامّ لها وبالضم اسم بمعنى البلاء. والعذاب، والمراد أنهم لا يرون في محمد ودينه إلا ما يسوءهم. وَاللَّهُ سَمِيعٌ لأقوالهم عَلِيمٌ بنياتهم. قيل: هم أعراب أسد وغطفان وتميم. ثم ختم الكلام بذكر الصالحين منهم فقال: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ الآية.

والمعنى أنهم يعتقدون ما ينفقونه سببا لحصول القربات عند الله وسببا لصلوات الرسول عليهم لأنه كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم كقوله: اللهم صل على آل أبي أوفى. ثم إنه تعالى شهد لهم ولأمثالهم بصحة ما اعتقدوه فقال على طريق الاستئناف مؤكدا بحرفي التنبيه والتحقيق أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ ثم فسر القربة بقوله: سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ والسين لتحقيق الوعد. قيل: هم عبد الله ذو البجاد بن ورهطه، أخذت أمه بجادا وهو كساء مخطط فشقته نصفين فردّته بأحدهما وأزرته بالثاني وبعثته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان قائده والله أعلم.

[التأويل:]

الناس ثلاثة: المتضررون المعذرون المعترفون بتقصيرهم، والقاعدون الكذابون، والناصحون المخلصون في الطلب ولكن فيهم الضعفاء والمرضى والفقراء فلا حرج عليهم في القعود عن طلب الكمال بالظواهر مع اشتغال البواطن في الطلب بقدر


(١) رواه البخاري في كتاب المغازي باب ٧٤. أحمد في مسنده (٢/ ٢٥٨) (٣٣/ ٣٢٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>