للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطريق المستقيم وما يتبعه من الصلاح فقال قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أي قل لأجلهم هذا القول وهو أن ينتهوا عما هم عليه من عداوة الرسول وقتاله بالدخول في السلم والإسلام يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ من الكفر والمعاصي. ولو كان المراد خطابهم بهذا القول لقيل: «أن تنتهوا يغفر لكم» . وقد قرأ بذلك ابن مسعود وَإِنْ تَعُودُوا لقتاله فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ منهم الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر أو سنة الذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم فأهلكوا أو غلبوا كقوله كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: ٢١] واستدل كثير من العلماء منهم أصحاب أبي حنيفة الآية على أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الإسلام لأن الخطاب مع الكفر باطل بالإجماع وبعد زواله لا يؤمر بقضاء العبادات الفائتة، بل ذهب أبو حنيفة إلى أن المرتد إذا أسلم لم يلزمه قضاء العبادات المتروكة في حال الردة وقبلها وفسر وَإِنْ يَعُودُوا بالعودة إلى الردة. واختلفوا في أن الزنديق هل تقبل توبته أم لا؟ والصحيح أنها مقبولة لشمول الآية جميع الكفار

لقوله صلى الله عليه وسلم: «نحن نحكم بالظاهر»

ولأنه يكلف بالرجوع ولا طريق له إلا التوبة، فلو لم تقبل لزم تكليف ما لا يطاق. ثم أمر بقتالهم إن أصروا على الكفر فقال وَقاتِلُوهُمْ الآية. وقد مر تفسيره في سورة البقرة إلا أنه زاد هاهنا لفظة كُلُّهُ في قوله وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ لأن القتال هاهنا مع جميع الكفار وهناك كان مع أهل مكة فحسب فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر وأسلموا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يثيبهم على توبتهم وإسلامهم. ومن قرأ بتاء الخطاب أراد فإن الله بما تعملون من الجهاد في سبيله والدعوة إلى دينه بصير يجازيكم عليه أحسن الجزاء. وَإِنْ تَوَلَّوْا ولم ينتهوا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ ناصركم ومتولي أموركم يحفظكم ويدفع شر الكفار عنكم فإنه نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ فثقوا بولايته ونصرته.

[التأويل:]

قالوا قد سمعنا وما سمعوا في الحقيقة وإلا لم يقولوا لو نشاء لقلنا فإن كلام المخلوق لن يكون مثل كلام الله. ثم انظر كيف استخرج الله منهم عقيب دعواهم لَقُلْنا مِثْلَ هذا قولهم اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ ليعلم أن من هذا حاله كيف يكون مثل القرآن مقاله، ولو كان لهم عقل لقالوا إن كان هذا حقا فاهدنا له ومتعنا به وبأنواره وأسراره وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ لأنه رحمة للعالمين والرحمة تنافي العذاب إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يعني أكثر المتقين أو لا يَعْلَمُونَ أنهم أولياؤه لأن الولي قد لا يعرف أنه ولي إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ كذلك دأب كفار النفوس ينفقون أموال الاستعداد الفطري في غير طلب الله وإنما تصرفها في استيفاء اللذات والشهوات فستندم حين لا ينفع الندم ثُمَّ يُغْلَبُونَ لا يظفرون

<<  <  ج: ص:  >  >>