للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك ولو كان مجرد إخبار محمد صلى الله عليه وسلم كافيا لكان مجرد إخباره بأنهم كذبوا في ادّعاء أنهم أحباء الله كافيا ويصير الاستدلال ضائعا. وأجيب بأن محل الإلزام عذاب عاجل، والمعارضة بيوم أحد ساقطة لأنهم وإن ادعوا أنهم الأحباء لكنهم لم يدعوا أنهم الأبناء. أو عذاب آجل واليهود والنصارى يعترفون بذلك وأنهم تمسهم النار أياما معدودة. ويمكن أن يقال: المراد مسخهم قردة وخنازير بل هذا الجواب أولى ليكون الاحتجاج عليهم بشيء قد دخل في الوجود فلا يمكنهم الإنكار. بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ جملة مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ ليس لأحد عليه حق يوجب أن يغفر له ولا قدرة تمنعه من أن يعذبه، وباقي الآية تأكيد لهذا المعنى يُبَيِّنُ لَكُمْ في محل النصب على الحال وفيه وجهان: أن يقدر المبين وهو الدين والشرائع وحسن حذفه لأن كل أحد يعلم أن الرسول إنما أرسل لبيان الشرائع، أو هو ما كنتم تخفون وحسن حذفه لتقدم ذكره وأن لا يقدر المبين. والمعنى يبذل لكم البيان وحذف المفعول أعم فائدة. وقوله: عَلى فَتْرَةٍ متعلق ب جاءَكُمْ أو حال آخر. قال ابن عباس: أي على حين فتور من إرسال الرسل وفي زمان انقطاع الوحي. وسميت المدّة بين الرسولين من رسل الله فترة لفتور الدواعي في العمل بتلك الشرائع. وكان بين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم خمسمائة وستون أو ستمائة سنة. وعن الكلبي: كان بين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة وألف نبي، وبين عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وسلم أربعة أنبياء، ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب خالد بن سنان العبسي. وأما العنسي بالنون فهو المتنبئ الكاذب. والمقصود أن الرسول بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وتطرق التحريف والتغيير إلى الشرائع المتقدمة وكان ذلك عذرا ظاهرا في إعراض الخلق عن العبادات، لأن لهم أن يقولوا إلهنا عرفنا أنه لا بد من عبادات ولكنا ما عرفنا كيف نعبدك، فمن الله تعالى عليهم بإزاحة هذه العلة وذلك قوله: أَنْ تَقُولُوا أي كراهة أن تقولوا: ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ أي لا تعتذروا فقد جاءكم. والحاصل أن الفترة توجب الاحتياج إلى بعثة الرسل والله قادر على ذلك لأنه قادر على كل شيء، فكان يجب في حكمته ورحمته إرسال الرسل في الفترات إلزاما للحجج وإقامة للبينات.

[التأويل:]

جعل في أمة موسى عليه السلام اثني عشر نقيبا، وجعل في هذه الأمة من النجباء البدلاء أربعين رجلا كما

قال صلى الله عليه وسلم: «يكون في هذه الأمة أربعون على خلق إبراهيم وسبعة على خلق موسى وثلاثة على خلق عيسى عليه السلام وواحد على خلق محمد صلى الله عليه وسلم»

وقال أبو عثمان المغربي: البدلاء أربعون، والأمناء سبعة، والخلفاء ثلاثة، والواحد هو القطب، والقطب عارف بهم جميعا ويشرف عليهم ولا يعرفه أحد ولا يشرف عليه وهو إمام

<<  <  ج: ص:  >  >>