الهدى فما نفع باختياره إلا نفسه، ومن آثر الضلال فلا يعود وباله إلا على نفسه. يروى عن ابن عباس أن الآية منسوخة بآية القتال ولا يخفى ضعفه. ثم أمره باتباع الوحي والتنزيل فإن وصل إليه بسبب الاتباع مكروه فليصبر عليه إلى أن يحكم الله وهو خير الحاكمين. ولبعضهم في الصبر:
سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري ... وأصبر حتى يحكم الله في أمري
سأصبر حتى يعلم الصبر أنني ... صبرت على شيء أمر من الصبر
[التأويل:]
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ يعني متولدات الروح العلوي من القلب والسر دون النفس لأنها من البنات لا من البنين مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزلا عليا في العالم النوراني وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من الفيض الرباني الفائض على الروح لأن الروح مستو على عرش القلب، فكل ما فاض من صفة الروحانية على الروح يفيض الروح على القلب والسر، فما اختلف القلب والسر حتى جاءهم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: فمن قبلها صار مقبولا، ومن ردها كان مردودا. وبوجه آخر مُبَوَّأَ صِدْقٍ بين الإصبعين من أصابع الرحمن فَمَا اخْتَلَفُوا حتى أدركهم علم الله الأزلي بالسعادة والشقاء فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ خلق الإنسان ضعيفا، فإذا انفتح عليه أبواب الكرامات وهبت رياح السعادات فربما ظن أنه مما يخادع به الأطفال فلا يدري هل هو من كرامة الاجتباء أو من وخامة الابتلاء، فكان النبي صلى الله عليه وسلم من خصوصية إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الكهف: ١١٠] يرتع في هذه الرياض وباختصاص يُوحى إِلَيَّ [الكهف: ١١٠] يسقى بكاسات المناولات من تلك الحياض، فشك عند سكره أنها من شهود التلوين أو من كشوف التمكين، فأدركته العناية الأزلية فأكرم بخطاب لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ بل كان هذا النهي نهي التكوين فما كان ممتريا ولهذا قال: والله لا أشك ولا أسأل. إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا من أنه كل ميسر لما خلق له قُلْ فَانْتَظِرُوا ظهور ما قدر لكم وَلكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بالفناء عن النفس وصفاتها حنيفا طاهرا عن لوث الالتفات إلى ما سواه والله أعلم.
تم الجزء الحادي عشر، وبه يتم المجلد الثالث من تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان للعلامة نظام الدين النيسابوري، ويليه المجلد الرابع وأوله تفسير سورة هود