يتخلف، فحذف إحدى القرينتين للعلم به كقوله سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] وكذا الكلام في قوله وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ أراد ولا النهار سابق الليل أي لا يدخل شيء منهما في غير وقته. سلمنا أن المراد بالليل والنهار آيتهما لكنه يمكن أن يقال: إنه إشارة إلى الحركة الدورية لأنه لما قال: إن الشمس لبطء سيرها لا تدرك القمر. فهم منه أن القمر يسبق الشمس بحركته، فأشار إلى أن هذا السبق ليس على قياس المتحركات على الاستقامة ولكنه سبق هو بعينه موجب للقرب، وهذا معنى قول أهل الهيئة إن الكوكب هارب عن نقطة ما طالب لها بعينه. وأما قوله وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ فقد مرّ تفسيره في سورة الأنبياء.
ولما بين ما هو كالضروري لوجود الإنسان من المكان والزمان وما يتبعه ويسبقه، شرع في تقرير ما هو نافع لهم في أحوال المعاش. قال بعض المفسرين: أراد بحمل الذرية حمل آبائهم وهم في أصلابهم. والفلك فلك نوح ومثله هو ما يركبون الآن عليه من السفن والزوارق. قال جار الله: وإنما ذكر ذرياتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم وأدخل في التعجب من قدرته في حمل أعقابهم إلى يوم القيامة في سفينة نوح، ولولا ذلك لما بقي للآدمي نسل. ومن فوائد ذكر الذرية أن من الناس من لا يركب السفينة طول عمره ولكنه في ذريته من يركبها غالبا. وذهب آخرون إلى أن المراد حمل أولادهم ومن يهمهم حمله كالنساء. وقد يقع اسم الذرية عليهن لأنهن مزارع الأولاد.
في الحديث «إنه نهى عن قتل الذراري»
يعني النساء فكأنه قيل: إن كنا ما حملناكم بأنفسكم فقد حملنا من يهمكم أمره وعلى هذا يكون قوله وَخَلَقْنا لَهُمْ إلى آخره اعتراضا، ومثل الفلك ما يركبون من الإبل لأنها سفائن البر. وفي وصف الفلك بالمشحون مزيد تقرير للقدرة والنعمة فإن الفلك إذا كان خاليا كان خفيفا لا يرسب في الماء بالطبع. ثم ذكر ما يؤكد كونه فاعلا مختارا قائلا وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وهو مصدر أو صفة أي لا إغاثة أو لا مغيث. وقوله إِلَّا رَحْمَةً إشارة إلى أن الإنقاذ رحمة بالنسبة إلى المؤمن ومتاع إلى حلول الأجل بالإضافة إلى الكافر، أو المراد أن أحد لا يتخلص من الموت وإن سلم من الآفات ولله در القائل:
ولم أسلم لكي أبقى ولكن ... سلمت من الحمام إلى الحمام
[التأويل:]
يس إشارة إلى أنه بلغ في السيادة مبلغا لم يبلغه أحد من المرسلين تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ فيه أنه لعزته لا يحتاج إلى تنزيل القرآن ولكن رحمته اقتضت ذلك نُحْيِ القلوب الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا من الأنفاس المتصاعدة ندما وشوقا، وآثار خطا أقدام صدقهم وآثار دموعهم على خدودهم أَصْحابَ الْقَرْيَةِ القلوب إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ من الخواطر الرحمانية والإلهامات الربانية بالتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار