والجلاء كما نال بني قريظة والنضير، أو التقدير: إن الذين اتخذوا العجل سينال أولادهم وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ أي كل مفتر في دين الله فجزاؤه الغضب والذلة. قال مالك بن أنس: ما من مبتدع إلا وتجد فوق رأسه ذلة ثم قرأ هذه الآية وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا ظاهر الآية يدل على أن التوبة شرط العفو وأنه لا بد مع التوبة من تجديد الإيمان فما أصعب شأن المذنبين، ولكن عموم لفظ السيئات يدل على أن من أتى بجميع المعاصي ثم تاب فإن الله يغفرها له فما أحسن حال التائبين لَغَفُورٌ ستور عليهم محّاء لما صدر منهم رَحِيمٌ منعم عليهم بالجنة. وفيه أن الذنوب وإن جلت وعظمت فإن عفوه وكرمه أعظم وأجل.
ولما بين ما كان من موسى مع الغضب بين ما كان منه بعد الغضب فقال وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ قال علماء البيان: إنه خرج على قانون الاستعارة فكأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول ألق الألواح وغير ذلك، فترك النطق بذلك وقطع الإغراء.
وعن عكرمة أن المعنى سكت موسى عن الغضب فقلب كما يقال: أدخلت الخف في رجلي وإنما أدخل الرجل في الخف. وقيل: السكوت بمعنى السكون وقد قرىء به.
أَخَذَ الْأَلْواحَ التي ألقاها منبها على زوال غضبه لأنه أوكد ما تقدم من إمارات الغضب وَفِي نُسْخَتِها فعلة بمعنى مفعول كالخطبة من النسخ والكتب أي في مكتوبها من اللوح المحفوظ سواء قلنا إن الألواح لم تتكسر وأخذها موسى بأعيانها بعد ما ألقاها أو قلنا إنها تكسرت وأخذ ما بقي منها، وقيل: النسخ بمعنى الإزالة لما روي عن ابن عباس أنه لما ألقى الألواح تكسرت فصام أربعين يوما فأعاد الله تعالى الألواح وفيها غير ما في الأولى هُدىً من الضلال وَرَحْمَةٌ من العذاب لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ أدخل اللام في المفعول لتقدمه فإن تأخير الفعل يكسبه ضعفا ونظيره لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ [يوسف: ٤٣] وقولك: لزيد ضربت.
ويجوز أن يكون المراد للذين هم لأجل ربهم يرهبون لا رياء وسمعة، وجوّز بعضهم أن تكون اللام صلة نحو ردف لكم.
[التأويل:]
ثَلاثِينَ لَيْلَةً لئلا تستكثر النفس الأربعين من ضعف البشرية وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ الخصوصية الأربعين في ظهور ينابيع الحكمة من القلب على اللسان وَقالَ مُوسى الروح لِأَخِيهِ هارُونَ القلب عند توجهه لمقام المكالمة والتجلي كن خليفتي في قومي من الأوصاف البشرية ووَ أَصْلِحْ ذات بينهم على وفق الشريعة وقانون الطريقة وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ من الهوى والطبيعة. وهذه الخلافة هي السر الأعظم في بعثة الروح من ذروة عالم الأرواح إلى حضيض عالم الأشباح وَلَمَّا جاءَ مُوسى ولما حصل الروح على بساط القرب وتتابع عليه كاسات الشرب أثر فيه سماع الكلمات فطال لسان