أن العذاب لازم ملكة العصيان، وكذا القرب منه تعالى لازم ملكة الطاعة. فإن أريد بالوجوب هذا فلا نزاع، وإن أريد غير ذلك فممنوع والله أعلم.
[التأويل:]
أخبر عن النصر بعد الصبر بقوله: وَإِذْ غَدَوْتَ وهو إشارة إلى جوهر السالك الصادق والسائر العاشق، وذلك أن يغدو في طلب الحق والرجوع إلى المبدأ من أصله أي صفات نفسه الحيوانية والبهيمية تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ أي صفاتك الروحانية مقاعد لقتال النفس والشيطان والدنيا وَاللَّهُ سَمِيعٌ لدعائكم بالإخلاص للخلاص عن ورطة تيه الهوى عَلِيمٌ بصدق نياتكم في طلب الحق. إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا يعني القلب وأوصافه والروح وأخلاقه وَاللَّهُ وَلِيُّهُما ليخرجهما من ظلمات البشرية إلى نور الربوبية وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ الدينا وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ من غلبات شهوات النفس إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ فيه إشارة إلى أن نور النبي صلى الله عليه وسلم يلهم أرواح المؤمنين على الدوام عند مقاتلة الشياطين ومجاهدة النفس ومكابدة الهوى في الركون إلى زخارف الدنيا. وثلاثة آلاف من الملائكة إشارة إلى الجنود الروحانية الملكوتية التي لا تدركها الحواس كقوله: وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها [التوبة: ٢٦] بَلى إِنْ تَصْبِرُوا على مخالفة النفس وتثقوا بالله عما سواه يزدكم في الإمداد بالجنود لِيَقْطَعَ طَرَفاً ليقهر بعضا من الصفات النفسانية التي هي منشأ الكفر بنصر الروح وصفاته أَوْ يَكْبِتَهُمْ أو يغلبهم ويظفر بهم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعز بحكمته من يشاء على ما يشاء والله المستعان على ما تصفون.