فَأَتَمَّهُنَّ (ط) إِماماً (ط) ذُرِّيَّتِي (ط) الظَّالِمِينَ (هـ) وَأَمْناً (ط) لمن قرأ وَاتَّخِذُوا بالكسر لاعتراض الأمر بين ماضيين مُصَلًّى (ط) كذلك ومن فتح الخاء نسق الأفعال الثلاثة فلا وقف السُّجُودِ (هـ) وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (ط) عَذابِ النَّارِ (ط) لأن «نعم» و «بئس» للمبالغة في المدح والذم فيبتدىء بهما تنبيها على المدح والذم الْمَصِيرُ (هـ) .
[التفسير:]
إنه تعالى لما استقصى في شرح نعمه على بني إسرائيل والمشركين ومقابلتهم النعمة بالكفران والعناد، شرع في نوع آخر من البيان وهو ذكر قصة إبراهيم عليه السلام لأن كلهم معترفون بفضله وأنهم من أولاده ومن ساكني حرمه وخدام بيته، وفي قصته أمور توجب الاعتراف بدين محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه منها: أنه أمر ببعض التكاليف ثم وفي بها فنال منصب الاقتداء به، فيعلم أن الخيرات كلها لا تحصل إلا بترك التمرد والانقياد لحكم الله والتزام تكاليفه، ومنها أنه طلب الإمامة لذريته فقيل له لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فيعرف أن طالب الحق يجب أن يترك التعصب والمراء ووضع ما رفعه الله لينال رياسة الدارين، ومنها أن القبلة لما حولت إلى الكعبة شق ذلك على اليهود فأريد إزالة غيظهم بأن هذا البيت قبلة إبراهيم الذي اعترفوا بتعظيمه والاقتداء به، ومنها أنه دعا بإرسال نبي من ذريته وهو محمد صلى الله عليه وسلم كما يجيء فيجب على من يعترف بإبراهيم أن يعترف بمحمد صلى الله عليه وسلم. أما قوله وَإِذِ ابْتَلى العامل في «إذ» إما مضمر نحو «واذكر» وتكون بمعنى الوقت فقط، أو وإذ ابتلى كان كيت وكيت، وإما قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً وعلى هذين التقديرين تكون ظرفا لكان أو قال. وموقع «قال» على الأولين استئناف كأنه قيل: فماذا قال له ربه حين أتم الكلمات؟ فأجيب قالَ إِنِّي جاعِلُكَ وعلى الثاني جملة معطوفة على ما قبلها من الآيات ولا يخفى أن الاستئناف أصوب ليناسب سياق الجملتين الآتيتين لورودهما أيضا على طريقة السؤال المقدر والجواب، وليكون على منهاج وَإِذْ جَعَلْنَا وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ وَإِذْ يَرْفَعُ [البقرة: ١٢٧] والابتلاء الاختبار والامتحان، عبر تكليفه إياه بالبلوى تشبيها لأمره بأمر المخلوقين وبناء على العرف بيننا، فإن كثيرا منا قد يأمر ليعرف ما يكون من المأمور حينئذ وإلا فكيف يجوز حقيقة الابتلاء عليه تعالى مع أنه عالم بجميع المعلومات التي لا نهاية لها على سبيل التفصيل من الأزل إلى الأبد وقيل: مجاز عن تمكينه العبد من اختيار أحد الأمرين ما يريد الله وما يشتهيه هو كأنه يمتحنه ما يكون منه حتى يجازيه على حسب ذلك.
واعلم أن هشام بن الحكم ومن تابعه زعم أنه تعالى كان في الأزل عالما بحقائق الأشياء وماهياتها فقط، وأما حدوث تلك الماهيات ودخولها في الوجود فهو تعالى لا يعلمها إلا