ابتلاء ليعرفوا أنه تعالى من أي دركة خلصهم وبأي كرامة خصصهم ومن هذا القبيل يكون ما يسنح لأرباب الكمالات من الخواطر النفسانية وما أتاهم الله بشيء من الدنيا والجاه والقبول والاشتغال بالخلق ليعرفوا قدر العزلة والتجريد والأنس مع الله في الخلوات رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ يعني أهل الجنة وأهل النار ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ يا أهل الجنة وأهل الله من الطاعات ويا أهل النار من الدنيا والشهوات وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ عن السير في حقيقة لا إله إلا الله أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ يعني أن من المؤمنين والعلماء بعلم الظاهر في بعض الأوقات من يقول لدناءة همته لأهل المحبة والمعرفة لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ الوصول ادْخُلُوا الْجَنَّةَ يعني الجنة المضافة إليه في قوله: ادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر: ٣٠] في حظائر القدس وعالم الجبروت لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ من الخروج وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ على ما فاتكم من نعيم الجنة إذ فزتم بشهود جمالنا. اعلم أن أهل الجنة وأهل النار يرون أهل الله وهم أصحاب الأعراف بالصورة ما داموا في مواطن الكونين، فإذا دخلوا الجنة الحقيقية المضافة إلى الله في حظائر القدس وسرادق العزة انقطع عنهم نظرهم ونظر الملائكة المقرّبين فافهم. يحكى عن بابا جعفر الأبهري أنه دخل على بابا طاهر الهمداني فقال: أين كنت فإني حضرت البارحة مع الخواص على باب الله فما رأيتك ثمة؟ فقال بابا طاهر: صدقت كنت على الباب مع الخواص وكنت داخلا مع الأخص فما رأيتني. أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ كانوا في الدنيا عبيد البطون حراصا على الطعام والشراب فماتوا على ما عاشوا وحشروا على ما ماتوا، وإن أهل الجنة لما جوعوا بطونهم لوليمة الفردوس كان اشتغالهم في الجنة بشهوات النفس والمضايقة بها قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ وفي الحقيقة إنما حرمهما عليهم في الأزل فلم يوفقوا لمعاملات تورث الجنة هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ أي ما يؤل إليه عاقبته في شأنهم. فللمؤمنين كشف الغطاء وسبوغ العطاء، ولأهل الجحود الفرقة والافتقار وعذاب النار أعاذنا الله تعالى منها.