اهتز ونغض لها رأسه. خُذُوا على إرادة القول أي قلنا لهم أو قائلين خذوا ما آتَيْناكُمْ من الكتاب بِقُوَّةٍ بجد وعزيمة على احتمال مشاقه وتكاليفه وَاذْكُرُوا ما فِيهِ من الأوامر والنواهي، أو من التعريض للثواب، أو المراد خذوا ما آتيناكم من الآية العظيمة بقوة إن كنتم تطيقونه كقوله إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا [الرحمن: ٣٣] واذكروا ما فيه من الدلالة على القدرة الباهرة لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ما أنتم عليه من الإباء.
[التأويل:]
الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ هي قرية الجسد الحيواني على شاطىء بحر البشرية، وأهل قرية الجسد الصفات الإنسانية صنف روحاني كصفات الروح، وصنف قلبي كصفات القلب، وصنف نفساني كصفات النفس الأمارة بالسوء، وكل قد نهوا عن صيد حيتان الدواعي البشرية في سبت محارم الله، فلم تنتهك الحرمة إلا الصفات النفسانية إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً لأن الإنسان حريص على ما منع فتهيج الدواعي في المحرمات دون المحللات بِما كانُوا يَفْسُقُونَ أي بما كان من طبيعة النفس وصفاتها من الخروج عن أمر الله لأنها أمارة بالسوء وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ هي صفات القلب قالوا لصفات الروح لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ بالمخالفات عند استيفاء اللذات والشهوات أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً وهو المسخ بتبديل الصفات الإنسانية إلى الصفات الحيوانية قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ لأنه خلقنا هكذا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر فنقضي ما علينا ليعلم أنّا ما تغيرنا عن أوصافنا الروحانية والملكية، ولعل النفس وصفاتها يَتَّقُونَ فتتصف بالمأمورية والاطمئنان فإنها قابلة لذلك بِعَذابٍ بَئِيسٍ وهو إبطال استعداد قبول الفيض الإلهي لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ على الأرواح والقلوب الذين يتبعون النفس وصفاتها مَنْ يَسُومُهُمْ وهو الشيطان المنظر إلى يوم القيامة سُوءَ الْعَذابِ عذاب البعد عن الله وعذاب ذلة الخدمة للنفس والشيطان وَقَطَّعْناهُمْ فرقنا الأرواح والقلوب في أرض الأجساد مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ قابلون لفيض نور الله وَمِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ في القبول وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وهي الطاعات وَالسَّيِّئاتِ وهي المعاصي لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ إلى الحق. وذلك أن السير إلى الله يتم بقدم الطاعة وبقدم ترك المعصية ومن هنا قيل خطوتان وقد وصلت. أو بلوناهم بالحسنات ليرجعوا إلينا بقدم الشكر، والسيئات ليرجعوا بقدم الصبر أو بلوناهم بكثرة الطاعات والعجب بها كما كان حال إبليس وبكثرة المعاصي والندامة عليها كما كان حال آدم فَخَلَفَ من بعد الأرواح والقلوب لما سلكوا طريق الحق ووصلوا إلى مقعد صدق خلفهم النفوس الأمارة بالسوء وَرِثُوا الْكِتابَ وهو ما ألهم الله تعالى الأرواح والقلوب من المواعظ والحكم والمعاني والأسرار وورثتها النفوس