للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما فيها من الأوامر والنواهي ولا يعملون بها يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى أي حطام هذا الشيء الأدنى يريد الدنيا وما يتمتع به منها. يقال الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر. وفي الإشارة بقوله هذَا الْأَدْنى تحقير وتخسيس. وأراد بالدنو القرب لأنه عاجل. أو دنو الحال وسقوطها وقلتها. والمراد كانوا يأخذونه من الرشا في تحريف الأحكام والنعوت وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا يؤاخذنا الله بما أخذنا. وإسناد الفعل إما إلى الجار والمجرور وإما إلى الأخذ الدال عليه يَأْخُذُونَ، وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ الواو للحال أي يرجون المغفرة جزما وهم مصرون والمراد الإخبار عن إصرارهم على الذنوب. وقال الحسن: هذا إخبار عن حرصهم على الدنيا وأنهم لا يشبعون منها.

ثم بين نكث عهدهم فقال أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أي التوراة. ومحل أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ رفع عطف بيان للميثاق المذكور في التوراة وهو أن لا يحرّفوا الكلم عن مواضعه ولا يقبلوا الرشا أو لا يصروا على الذنب مع الجزم بالغفران.

فإن خلاف كل ذلك خروج عن ميثاق الكتاب وافتراء على الله وتقول عليه ما ليس بحق.

ويجوز أن يكون أَنْ لا يَقُولُوا مفعولا لأجله ومعناه لئلا يقولوا ويجوز أن تكون «أن» مفسرة ولا يَقُولُوا نهيا كأنه قيل: ألم نقل لهم لا تقولوا على الله إلا الحق؟ وَدَرَسُوا عطف على أَلَمْ يُؤْخَذْ لأنه تقرير كأنه قيل: أخذ عليهم الميثاق وقرأوا ما فيه أي أنهم ذاكرون لما أخذ عليهم لأنهم قد قرأوه ودرسوه. وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ من ذلك العرض الخسيس لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الرشا والمحرمات. ثم لما ذكر حال من ترك التمسك بالتوراة أتبعها حال من تمسك أي اعتصم به فقال وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ الآية والتشديد للتكثير وفي إفراد إقامة الصلاة بالذكر مع أن التمسك بالكتاب مشتمل على كل عبادة إظهار لمزية الصلاة وإشعار بأنها عماد الدين. النوع السادس: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ قال أبو عبيدة: أصل النتق قلع الشيء عن موضعه والرمي به ومنه امرأة ناتق إذا كثر ولدها كأنها ترمي بأولادها رميا. والمعنى إذا قلعنا الجبل من أصله وجعلناه فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وهي كل ما أظلك من سقف أو حائط وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ علموا وتيقنوا أنه ساقط عليهم. وقيل: قوي في نفوسهم أنه يقع بهم إن خالفوا.

روي أنهم أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة فرفع الله الطور على رؤوسهم مقدار عسكرهم وكان فرسخا في فرسخ.

وقيل لهم: إن قبلتموها بما فيها وإلا ليقعن عليكم. فلما نظروا إلى الجبل خر كل رجل منهم ساجدا على حاجبه الأيسر وهو ينظر بعينه اليمنى إلى الجبل فرقا من سقوطه فلذلك لا ترى يهوديا يسجد إلا على حاجبه الأيسر ويقولون هذه السجدة التي رفعت عنا بها العقوبة. ولما نشر موسى الألواح وفيها كتاب الله لم يبق جبل ولا حجر إلا اهتز فلذلك لا ترى يهوديا تقرأ عليه التوراة إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>