للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرؤيا بمعنى الرؤية يقال: رأيت بعيني رؤية ورؤيا، أو سماها رؤيا على قول المكذبين حين قالوا لعلها رؤيا رأيتها وخيال خيل إليك. والأقلون على أن الإسراء كان في المنام وقد مر هذا البحث في أول السورة. قوله: وَالشَّجَرَةَ فيه تقديم وتأخير، والتقدير وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس. قال الأكثرون: إنها شجرة الزقوم لقيت في القرآن حيث لعن طاعموها. قال عز من قائل: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ أو وصفت باللعن لأنه إلا بعاد وهي في أصل الجحيم أبعد مكان من الرحمة، أو العرب تقول لكل طعام مكروه ضارّ ملعون. والفتنة فيها أن أبا جهل وغيره قالوا: زعم صاحبكم أن نار جهنم تحرق الحجر ثم يقول ينبت فيها الشجر فأنزل الله تعالى هذه الآية. ونظيره قوله: إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ [الصافات: ٦٣] . ومن شاهد حال السمندل والنعامة كيف يتعجب من قدرة الله على إنبات الشجرة من جنس لا تعمل فيه النار. وعن ابن عباس: الشجرة الملعونة بنو أمية. وعنه هي الكشوث التي تتلوى بالشجر تجعل في الشراب. وقيل: هي الشيطان. وقيل: اليهود سؤال: أي تعلق لحديث الرؤيا والشجرة إلى ما قبله من الكلام؟ جوابه كأنه قيل: إنهم لما طلبوا هذه المعجزات ثم إنك لم تظهرها صار عدم ظهورها شبهة في أنك لست بصادق في دعوى النبوة إلا أن وقوع هذه الشبهة لا ينبغي أن يكون سببا في توهين أمرك. ألا ترى أن ذكر تلك الرؤيا والشجرة صار سببا لوقوع الشبهة العظيمة، ثم إنها ما أوجبت ضعفا في أمرك ولا فتورا في اجتماع المحقين عليك. ثم ذكر سببا آخر في أنه تعالى لا يظهر المقترحات عليهم فقال:

وَنُخَوِّفُهُمْ بمخاوف الدنيا والآخرة فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً متماديا.

[التأويل:]

لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا يشتمل معنيين لأنهم إن كانوا أكبر منه أو أمثالا له طلبوا طريقا إلى إزعاج صاحب العرش ونزع الملك منه قهرا، وإن كانوا أدون منه طلبوا إليه الوسيلة بالخدمة والعبودية على أن الناقص لا يصلح للإلهية وهذا قريب من التفسير: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ لكل ذرة من ذرات الموجودات ملكوت لقوله:

فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ [يس: ٨٣] والملكوت باطن الكون وهو الآخرة، والآخرة حيوان لا جماد لقوله: إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ [العنكبوت: ٦٤] فلكل ذرة لسان ملكوتي ناطق بالتسبيح والحمد تنزيها لصانعه وحمدا له على ما أولاه من نعمه، وبهذا اللسان ينطق الحصى في كف النبي صلى الله عليه وسلم وبه تنطق الأرض يوم القيامة يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها [الزلزلة: ٤] وبه تنطق الجوارح أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ [فصلت: ٢١] وبه نطق السموات والأرض قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: ١١]

<<  <  ج: ص:  >  >>