الآيات إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الذين هم أمثالهم من المطبوع على قلوبهم كعاد وثمود، وأنها لو أرسلت لكذبوا بها تكذيب أولئك واستوجبوا عذاب الاستئصال على ما أجرى الله تعالى به عادته. والحاصل أن المانع من إرسال الآيات التي اقترحوها هو أن الاقتراح مع التكذيب موجب للهلاك الكلي، وقد عزمنا أن نؤخر أمر من بعث إليهم إلى يوم القيامة، ويحتمل أن يراد أنهم مقلدون لآبائهم فلا يؤمنون البتة كما لم يؤمنوا فيكون إرسال الآيات ضائعا. ثم استشهد عى ما ذكر بقصة صالح وناقته لأن آثار هلاكهم في بلاد العرب قريبة يبصرها صادرهم وواردهم وهذا معنى قوله مُبْصِرَةً أو المراد حال كون الناقة آية بينة يبصر المتأمل بها رشده فَظَلَمُوا أنفسهم بقتلها أو فكفروا بِهَا بمعنى أنهم جحدوا كونها من الله قاله ابن قتيبة وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ المقترحة إِلَّا تَخْوِيفاً من نزول العذاب العاجل بمعنى أن من أنكرها وقع عليه، أو المراد وما نرسل بآيات القرآن وغيرها من المعجزات إلا إنذارا بعذاب الآخرة على المعنى المذكور. وحين امتنع من إرسال الآيات المقترحة على رسوله للمصارف المذكورة قوى قلبه بوعد النصر بالغلبة فقال:
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أي واذكر إذا أوحينا إليك أن ربك أَحاطَ بِالنَّاسِ أي أنهم في قبضته وقدرته فلا يقدرون على خلاف إرادته فينصرك ويقويك حتى تبلغ الرسالة. عن الحسن:
حال بينهم وبينه أن يقتلوه كما قال: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] وقيل:
أراد بالناس أهل مكة، وأحاط في معنى الاستقبال إلا أن خبر الله تعالى لما كان واجب الوقوع عبر عنه بلفظ الماضي، وعد نبيه بأنه سيهلك قريشا في وقعة بدر.
أما قوله: وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ففيه أقوال: الأول أنه تعالى أراه في المنام مصارع كفار قريش حتى قال: والله لكأني أنظر إلى مصارع القوم وهو يأتي الأرض ويقول: هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان، فلما سمع قريش ذلك جعلوا رؤياه سخرية وكانوا يستعجلون بما وعد. الثاني: أنه رؤياه التي رأى أن يدخل مكة وبذلك أخبر أصحابه، فلما منع من البيت الحرام عام الحديبية كان ذلك فتنة لبعض القوم. وقال عمر لأبي بكر: قد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا ندخل البيت فنطوف به.
فقال أبو بكر: إنه لم يخبر أنا نفعل ذلك في هذه السنة فسنفعل ذلك في سنة أخرى. فلما جاء العام القابل دخلها وأنزل الله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ [الفتح:
٢٧] . الثالث:
قول سعيد بن المسيب وابن عباس في رواية عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بني أمية ينزون على منبره نزو القردة فساءه ذلك.
الرابع وهو قول أكثر المفسرين: أن المراد بهذه الرؤيا هي حديث الإسراء. ثم اختلفوا، فالأكثرون على أن