للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُسْناً

[البقرة: ٨٣] والغرض منه المبالغة كما يقال: فلان جود وعدل إذا كان غاية في الجود ونهاية في العدل. وهاهنا نكتة وهي أنه أدخل «من» التبعيضية في الآية المتقدمة في قوله: نُؤْتِهِ مِنْها في الموضعين، ولم يذكر في هذه الآية. لأن أولئك اشتغلوا بالثواب عن العبودية فلم ينالوا إلا البعض، بخلاف هؤلاء فإنهم لم يذكروا أنفسهم إلا بالعيب والقصور ولم يسألوا ربهم إلا ما يوجب إعلاء كلمته، فلا جرم فازوا بالكل. وفيه تنبيه على أن من أقبل على خدمة الله أقبل على خدمته كل ما سوى الله. ثم قال وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه. وهاهنا سر وهو أنه تعالى وفقهم للطاعة ثم أثابهم عليها ثم مدحهم على ذلك فسماهم محسنين، ليعلم العبد أن الكل بعنايته وفضله.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا عن السدي: المراد بالذين كفروا هو أبو سفيان وأصحابه فإنه كان كبير القوم في ذلك اليوم. والمعنى إن تستكينوا لهم وتستأمنوهم.

وعن علي عليه السلام: هم المنافقون عبد الله بن أبيّ وأشياعه قالوا للمؤمنين عند الهزيمة:

ارجعوا إلى إخوانكم وادخلوا في دينهم.

وعن الحسن: هم اليهود والنصارى يستغوونهم ويوقعون لهم الشبهة في الدين ولا سيما عند هذه الواقعة كانوا يقولون: لو كان نبيا حقا لما غلب ولما أصابه وأصحابه ما أصابهم وإنما هو رجل حاله كحال غيره من الناس يوم له ويوم عليه. والأقرب أنه عام في جميع الكفار فإن خصوص السبب لا ينافي إرادة العموم، فعلى المؤمنين أن لا يطيعوهم في شيء ولا ينزلوا على حكمهم وعلى مشورتهم حتى لا يستجرّوهم إلى موافقتهم وهو المراد بقوله: يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ أي إلى الكفر بعد الإيمان فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ في الدنيا باستبدال ذلة الكفر بعزة الإسلام والانقياد للأعداء الذي هو أشق الأشياء لدى العقلاء، وفي الآخرة بالحرمان عن الثواب المؤبد والوقوع في العقاب المخلد. بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ ناصركم وهو إضراب عما كانوا بصدده من طاعة الكفار. والمعنى أنكم إنما تطيعون الكفار لينصروكم ويعينوكم على مطالبكم وهذا خطأ وجهالة لأنهم عاجزون مثلكم متحيرون، وبغير إذن الله لا ينفعون ولا يضرون. وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ لو فرض أن لأحد سواه قدرة على النصر لأنه خبير بمواقع الحاجات، قدير على إنجاز الطلبات، ينصر في الدنيا والآخرة بلا شائبة علة من العلات، ونصرة غيره لو فرض فإنه مخصوص بالدنيا وببعض الأمور وفي بعض الأوقات ولغرض من الأغراض الفاسدات، كيف ولا ناصر بالحقيقة سواه.

[التأويل:]

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ أن تلجوا عالم الملكوت ولم تظهر منكم مجاهدات تورث المشاهدات ولا الصبر على تزكية النفوس وتصفية القلوب على وفق

<<  <  ج: ص:  >  >>