للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وغفرت لكم وأنصركم على القوم الكافرين.

وفي بعض الروايات أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان يذكر هذه الدعوات والملائكة كانوا يقولون آمين.

[التأويل:]

الإنسان مركب من عالمي الأمر والخلق. له روح نوراني من عالم الأمر والملكوت، وله نفس ظلمانية من عالم الخلق والملك، ولكل منهما نزاع وشوق إلى عالمه. فغاية بعثة الأنبياء تزكية النفوس عن ظلمة أوصافها وتحليتها بأنوار الأرواح، وحاصل تسويل الشيطان عكس هذه القضية وإليه الإشارة في قوله إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ مودع من أنوار الأخلاق الروحانية في الظاهر بأعمال الشريعة في الباطن بأحوال الحقيقة أَوْ تُخْفُوهُ بإبراز ظلمات الأوصاف النفسية في الظاهر بمخالفات الشريعة، وفي الباطن بموافقات الطبيعة يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ بطهارة النفس لقبول أنوار الروح أو بتلوث الروح لقبول ظلمات النفس فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ فينور نفسه بأنوار الروح وروحه بأنوار الحق وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ فيعاقب نفسه بنار دركات السعير وروحه بنار فرقة العلي الكبير وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ من إظهار اللطف والقهر على تركيب عالمي الأمر والخلق قَدِيرٌ لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى وبلغ المقصد الأعلى ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى [النجم: ٩] أكرم بالسلام قبل الكلام فقيل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.

فأجاب صلى الله عليه وسلم بقوله: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

فقيل له آمَنَ الرَّسُولُ عبانا بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ فقال من كمال رأفته بأمته وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ إلى قوله سَمِعْنا وَأَطَعْنا فقال الله تعالى: ما يطلبون مني في جزاء السمع والطاعة؟

فقال النبي صلى الله عليه وسلم غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ

ما يطلبون إلا أن تسترهم بسربال فضلك ويكون مصيرهم إليك لا إلى غيرك كما كان مصيري إليك لا إلى من سواك. قال الله في جوابه لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها إنك في مقام لا يسعك فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولهذا قال لك جبريل: لو دنوت أنملة لاحترقت. وإن الأنبياء والمرسلين الذين اصطفيناهم على العالمين وكل طائفة منهم في سماء واقفون حبستهم رحمتي كيلا تحرقهم سبحات وجهي وسطوات قهري، فكيف أكلف أمتك المذنبة المرحومة بهذا المصير وأنا بضعف حالهم بصير؟ وإنما بلغك هذا المقام حتى جاوزت الرسل الكرام أن اتخذتك حبيبا قبل أن أخلقك وخلقت الكائنات لمحبتك ولأن أمتك أكرم الأمم، ولهم بسبب شفاعتك اختصاص بمحبتي إياهم ما داموا في متابعتك فقل لهم إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: ٣١] فبقدر ما كسبت أمتك من أنوار متابعتك تستحق المصير إلى حضرة جلالنا وشواهد جمالنا، وعلى قدر ما اكتسبت بالتواني عن ظل متابعتك تستأهل المصير إلى دركات السعير. فتارة

<<  <  ج: ص:  >  >>