للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحاصل أن الآية سيقت لبيان تضاد حاليهم في الدنيا وفي الآخرة بالكذب وبالصدق ولكن حيث لا ينفعهم الصدق لأن الصدق في الآخرة إنما يعتبر إذا كان مقرونا بالصدق في الدنيا، هذا جملة كلام القاضيين. قال جمهور المفسرين: إن قول القائل المراد ما كنا مشركين في اعتقادنا، وكيف كذبوا على أنفسهم في الدنيا مخالفة الظاهر وإن الكفار قد يكذبون في القيامة لقوله تعالى يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ إلى قوله أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ [المجادلة: ١٨] ولو سلم أنهم لا يكذبون تعمدا إلا أن الممتحن ينطق بما ينفعه وبما لا ينفعه حيرة ودهشا، ألا تراهم يقولون رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها [المؤمنون: ١٠٧] وقد أيقنوا بالخلود؟ وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ [الزخرف: ٧٧] وقد علموا أنه لا يقضى عليهم. واختلال عقولهم حال ما يتكلمون بهذا الكلام لا يمنع كمال عقلهم في سائر الأوقات.

[التأويل:]

ما في الكون سوى الله، لا داع ولا مجيب فلهذا يسأل ويجيب قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ وله ما سكن في ليل البشرية إلى التمتعات الحيوانية، وفي نهار الروحانية إلى المواهب الربانية، وَهُوَ السَّمِيعُ أنين من سكن إليه الْعَلِيمُ بحنين من اشتاق إليه قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ اليوم وَلِيًّا وقد اتخذني الله في الأزل حبيبا فاطِرِ سموات القلوب على محبته وفاطر أرض النفوس على عبوديته وَهُوَ يُطْعِمُ أرواح العارفين طعام المشاهدات ويسقيهم كؤوس المكاشفات وَلا يُطْعَمُ لأنه لا يحتاج إلى قبول الفيض من غيره فالأنوار عنده كالذرّات أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لأني خلصت من حبس الوجود بالكلية وحدي ولهذا يقول الأنبياء نفسي نفسي وأقول: أمتي أمتي إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي برؤية الغير عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ هو وقت الاستنزال عن مقام التوحيد. مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ عذاب الشرك يوم قدّر الشرك لاقوام والتوحيد لاقوام وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ إن دائرة أزليته متصلة بدائرة أبديته، وكل نقطة من الدائرة تصلح للبداية والنهاية، فكل ما صدر منه فلن ينتهي إلا به وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ قهر الكفار بموت القلوب فضلوا في ظلمات الطبيعة، وقهر نفوس المؤمنين بأنوار الشريعة فخرجوا من ظلمات الطبيعة، وقهر قلوب المحبين بلذعات الأشواق إلى يوم التلاق، وقهر أرواح الصديقين بسطوات الجلال في أوقات الوصال. وَهُوَ الْحَكِيمُ فيما يقهره فلا يخلو من حكمة الْخَبِيرُ بمن يستأهل كل صنف من قهره فيقهره به فالله أكبر شهادة لأنه محيط بحقائق الأشياء ولا يحيط به شيء من الأشياء وَمَنْ بَلَغَ القرآن ووقف على حقائقه. ويقول للمشركين أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني العلماء بالقرآن يعرفون الله أو النبي. وفيه إشارة إلى أن الآباء قد تحقق عندهم أنهم مصادر الأبناء، فكذلك أهل المعرفة قد تحقق عندهم أن الله مصدر جميع الأشياء الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بإفساد الاستعداد الفطري ويوم يحشرهم جميعا يعني أهل المعرفة والنكرة أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ من الهوى والدنيا كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ في القيامة لأنهم كذبوا

<<  <  ج: ص:  >  >>