بالحال الأولى لأنك لو حذفتها وقلت: وما لنا ونطمع لا حلت، ويحتمل أن يكون وَنَطْمَعُ حالا من لا نُؤْمِنُ كأنهم أنكروا أن لا يوحدوا الله وهم يطمعون في الثواب وأن يكون عطفا على لا نُؤْمِنُ أي ما لنا نجمع بين التثليث وبين الطمع، أو ما لنا لا نجمع بين الإيمان وبين الطمع فَأَثابَهُمُ اللَّهُ بِما قالُوا ظاهره يدل على أنهم إنما استحقوا الثواب بمجرد القول، ولكن فيما سبق من وصفهم بمعرفة الحق ما يدل على خلوص عقيدتهم فلا جرم لما انضاف إليه القول كل الإيمان. ويحتمل أن يكون مأخوذا من قولك: هذا قول فلان أي اعتقاده ومذهبه. وروى عطاء عن ابن عباس أن المراد بما سألوا من قولهم فاكتبنا مع الشاهدين. قال أهل السنة: فيه دليل على أن المعرفة مع الإقرار توجب حصول الثواب، وصاحب الكبيرة له المعرفة والإقرار فلا بد أن يؤل حاله إلى هذا الثواب. والمعتزلة سلموا أن الإقرار مع المعرفة يوجب الثواب ولكن بشرط عدم الإحباط.
[التأويل:]
لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل مع ذرات ذرّيات آدم عليه السلام وَأَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ رُسُلًا بالأجساد في عالم الشهادة، ومن الواردات الروحانية في عالم الغيب فَرِيقاً كَذَّبُوا يعنى الإلهامات والواردات وَفَرِيقاً يقتلون في عالم الحس لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا النصارى أرادوا أن يسلكوا طريق الحق بقدم العقل فتاهوا في أودية الشبهات، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم سلكوا الطريق بأقدام جذبات الألوهية على وفق المتابعة الجبيبية فأسقط عنهم براهين الوصال كلفة الاستدلال، ولهذا كان الشبلي يغسل كتبه بالماء ويقول: نعم الدليل أنت. ولكن الاشتغال بالدليل بعد الوصول الى المدلول محال فتحقق لهم أن عيسى بعد التزكية والتحلية صار قابلا للفيض الإلهي فكان يخلق ما يخلق ويفعل ما يفعل بإذن الله، كما أن المرايا المحرقة تحرق بما قبلت من فيض الشمس إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ ظاهرا فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ومن يشرك به باطنا حرم عليه القربة على لسان داود وعيسى ابن مريم.
هذا سر الخلافة فإن الإنسان الكامل المستحق للخلافة قبوله قبول الحق ورده رد الحق لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ سمى العصيان منكرا لأنه يوجب النكرة كما سمى الطاعة معروفا لأنها توجب المعرفة ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً. يعني أن تعارف الأرواح يوجب ائتلاف الأشباح، فالنصارى ببركة علمائهم وعبادهم وصفاء قلوبهم وخضوعهم ثبت لهم القرابة والمودة من أهل الإيمان وعرفوا الحق الذي سمعوه في الأزل يوم الميثاق، فآمنوا وذلك جزاء المحسنين الذين يعبدون الله ويشاهدونه بلوائح المعرفة وطوالع المحبة فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.