للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الابتلاء والامتحان، ولظهور الموفر من المقصر وتميز المطيع من العاصي حسب ما تقتضيه الحكمة والعدالة والتدبير والتقدير. ثم وصف نفسه بالقدرة الكاملة على إيصال العقاب وإيفاء الثواب فقال إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ فأدخل اللام في قرينة الترغيب وأسقطها عن قرينة الترهيب ترجيحا لجانب الرحمة والغفران فإن اللطف والرحمة تفيض عنه بالذات والقهر والتعذيب يصدر عنه بالعرض لأن ذلك من ضروريات الملك ولهذا

قال «سبقت رحمتي غضبي»

وإنما وصف العقاب بالسرعة لأن كل ما هو آت قريب.

وإنما لم يسقط اللام عن قرينة العقاب في سورة الأعراف في قصة أصحاب السبت لأن ذلك قد ورد عقيب ذكر المسخ فناسب التأكيد باللام، وإنما أخر قرينة الرحمة في الموضعين ليقع ختم الكلام على المغفرة والرحمة فيكون أدل على كمال رأفته ووفور إحسانه.

[التأويل:]

مِنْ إِمْلاقٍ فيه ترك التوكل على الله وعدم الثقة بالله وَأَوْفُوا الْكَيْلَ

أوفوا بكيل العمر وميزان الشرع حقوق الربوبية واستوفوا بكيل الاجتهاد وميزان الاقتصاد حظوظ العبودية من الألوهية. وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا

بأن لا تعبدوا ولا تحبوا ولا تروا إلا إياه وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً إشارة إلى أن الصراط المستقيم الحقيقي إلى الله تعالى هو صراط محمد صلى الله عليه وسلم تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ أي على من أحسن من أمتك إسلامه. وفيه أن الكتب المنزلة كلها وشرائع الأنبياء كانت تتمة للدين الحنيفي الذي هو الإسلام، ولهذا أمر بأن يقتدى بالأنبياء ليجمع بين هداه وهداهم. ويحتمل أن يراد بالذي أحسن النبي صلى الله عليه وآله والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ وبركته أنه أنزل على قلبه فكان خلقه القرآن فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ ما يبين لكم طريق السير إلى الله ومهدي ما يهديكم إلى الله أتم وأكمل مما جاء في الكتابين وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ [الأنعام: ٥٩] هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ عيانا وتسوقيهم إلى الله قهرا والجاء أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ إليهم إذ لم يأتوا إليه في متابعتك قُلِ انْتَظِرُوا للمستحيلات إِنَّا مُنْتَظِرُونَ للميعاد في المعاد إن الذين فارقوا الدين الحقيقي الذي فيه كمالية الإنسان وَكانُوا شِيَعاً فرقا مختلفة من المبتدعة والزنادقة والمتزيدة رياء وسمعة وعلماء السوء وملحدة المتفلسفة لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ لأنك على الحق وهم على الباطل وبينهما تضاد إنما أمرهم إلى الله في بدء الخلقة وقسم الاستعداد كما شاء ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ يوم الجزاء بما يستحقه كل منهم مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها قبل ذلك حتى يقدر على الإتيان بتلك الحسنة وهي حسنة الإيجاد من العدم، وحسنة الاستعداد حيث خلقه في أحسن تقويم، وحسنة التربية وحسنة الرزق وحسنة بعثة الرسل وحسنة إنزال الكتب، وحسنة تبيين الحسنات من السيئات، وحسنة التوفيق للحسنة

<<  <  ج: ص:  >  >>