للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دنس الآثام وصفاها كالسبيكة المخلصة من الخبث. وقيل: المراد بالنسك هاهنا الذبائح جمع بين الصلاة والذبح كما في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر: ٢] وقيل: صلاتي وحجي أخذا من مناسك الحج. وَمَحْيايَ وَمَماتِي أي حياتي وموتي مصدران ميميان.

وقال في الكشاف: المراد وما آتيه في حياتي وأموت عليه من الإيمان والعمل الصالح. وفيه أنه لا يكفي في العبادات أن يؤتى بها كيف كانت بل لا بد أن يكون جميع حركات المرء وسكناته لله رب العالمين وَبِذلِكَ من الإخلاص أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ لأن إسلام كل نبي متقدم على إسلام أمته. وقال في التفسير الكبير: إنه تعالى أمر رسوله أن يبين أن صلاته وسائر عباداته وحياته ومماته كلها واقعة بخلق الله تعالى وتقديره وقضائه، وحكمه وذلك أن المحيا والممات بخلق الله فكذا الصلاة والنسك وبذلك من التوحيد أمرت، ثم لما أمر نبيه بالتوحيد المحض أمره أن يذكر ما يجري مجرى الدليل عليه فقال: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وتقريره أن طوائف المشركين من عبدة الأصنام والكواكب ومن اليهود والنصارى والثنوية كلهم معترفون بأن الله تعالى خالق الكل فكأنه سبحانه قال: قل يا محمد منكرا أغير الله أطلب ربا مع أن هؤلاء الذين اتخذوا من دونه آلهة مقرون بأنه خالق تلك الأشياء ولا يدخل في العقل جعل المربوب والعبد شريكا للرب والمولى. وبوجه آخر الموجود إما واجب لذاته أو ممكن لذاته، وقد ثبت أن الواجب لذاته واحد وما سواه ممكن لذاته والممكن لذاته لا يوجد إلا بإيجاد الواجب لذاته فهو إذن رب كل شيء، وصريح العقل شاهد بأن المربوب لا يكون شريكا للرب فلا يختص إذن بالربوبية غيره. ثم لما بين الدليل القاطع على التوحيد ذكر أنه لا يرجع إليه من كفرهم وشركهم ذم ولا عقاب فقال وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها ومعناه أن إثم الجاني عليه لا على غيره وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم نفس أخرى وهذا كالرد لقولهم: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ [العنكبوت: ١٢] ثم بين أن رجوع هؤلاء المشركين إلى موضع لا حاكم هناك إلا الله تعالى فقال: ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ثم ختم السورة ببيان حال المبدإ والوسط والمعاد على سبيل الإجمال فقال وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ قيل: الخطاب لبني آدم لأنه جعلهم بحيث يخلف بعضهم بعضا. وقيل:

لأمة محمد صلى الله عليه وآله لأنه خاتم النبيين فخلفت أمته سائر الأمم، وقيل: لخواص الأمة الذين هم خلفاء الله في أرضه يملكونها ويتصرفون فيها بالحق كقوله: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ [ص: ٢٦] وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ في الشرف والعقل والجاه والمال والرزق لا للعجز والبخل ولكن لأجل شبه

<<  <  ج: ص:  >  >>