وتوقفوا ولهذا السبب انتظروه. وأيضا إنهم كانوا جاحدين إلا أنهم بمنزلة المنتظرين من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محالة. قال الفراء: الضمير في تأويله للكتاب أي إلا عاقبة أمره وما يؤل إليه من بيان صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد، أو عاقبة ما وعدوا به على ألسنة الرسل من الثواب والعقاب، والتأويل مرجع الشيء ومصيره من قولهم آل الشيء يؤل يَوْمَ يَأْتِي يريد يوم القيامة وانتصابه على أنه ظرف يَقُولُ ومعنى:
نَسُوهُ تركوا العمل به والإيمان أو أنهم صاروا في الإعراض عنه بمنزلة من نسيه قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ أي متلبسين بما هو الحق، أو الباء للتعدية والمراد اعترافهم بثبوت الحشر والنشر وأحوال القيامة وأهوالها إذا عاينوها فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا منصوب بإضمار «أن» بعد الفاء والتقدير: هل يثبت لنا شفيع فيشفع أَوْ هل نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ فنوحد الله تعالى بدلا عن الشرك ونطيعه بدلا عن المعصية. وفيه دليل على أن أهل الآخرة لا تكليف لهم خلافا للنجار ومن تبعه وإلا لم يسألوا الرد إلى دار التكليف ولم يتمنوه بل كانوا يتوبون في الحال. ثم حكم بأن ذلك التمني لا يفيدهم شيئا وأن مطلوبهم لا يكون البتة فقال: قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي لا ينتفعون بالأصنام التي عبدوها في الدنيا وليس تفيدهم نصرة الأوثان التي بالغوا في نصرها.
[التأويل:]
نادى أهل المحبة أهل القطيعة أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا يعني
قوله:«ألا من طلبني وجدني»
فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حقا وهو
قوله:«ومن طلب غيري لم يجدني»
فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ العزة والعظمة على الظالمين الذين وضعوا استعداد الطلب في غير موضع مطلوبه، الذين يصدون القلب والروح عن سبيل الله وطلبه، ويطلبون صرف وجوههم إلى الدنيا وما فيها وَبَيْنَهُما حِجابٌ من الأوصاف البشرية والأخلاق الذميمة النفسانية فلا يرى أهل النار أهل الجنة وكذا بين أهل الجنة وأهل الله- وهم أصحاب الأعراف- حجاب من أوصاف الخلقية والأخلاق الحميدة الروحانية. وسميت أعرافا لأنها موطن أهل المعرفة، وسموا رجالا لأنهم بالرجولية يتصرفون فيما سوى الله تصرف الرجال في النساء ولا يتصرف فيهم شيء منه، فالأعراف مرتبة فوق الجنان في حظائر القدس عند الرحمن يَعْرِفُونَ كُلًّا من أهل الجنة وأهل النيران بِسِيماهُمْ من آثار نور القلب وظلمته وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ يعني هنيئا لكم ما أنتم فيه من النعيم والحور والقصور. ثم أخبر عن همة أهل الأعراف فقال: لَمْ يَدْخُلُوها أي الجنة ونعيمها ولم يلتفتوا إلى غير المولى وَهُمْ يَطْمَعُونَ في الوصول إلى الحق سبحانه. وَإِذا صُرِفَتْ