لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ يعني أن هذه الأفعال لا يعرفها أرباب العلوم الظاهرة وإنما يعرفها أصحاب الكشوف الباطنة. سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ مرة بأحكام الشريعة ومرة بآداب الطريقة ثُمَّ يُرَدُّونَ بجذبات اللطف إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ هو الفطام عن الكونين والفناء في الله أو بجذبات القهر إلى إسبال حجب البعد والبقاء في عالم الطبيعة وَآخَرُونَ يعني القلب وصفاته اعْتَرَفُوا بذنوب ثبوت صفات النفس والتلوث بها خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً هو صدق التوجه وَآخَرَ سَيِّئاً هو مطاوعة النفس والهوى في بعض الأوقات. عَسَى اللَّهُ أن يوفقهم للرجوع إلى طريق الحق بالكلية والإعراض عما سواه. خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها عن دنس حب الدنيا وَتُزَكِّيهِمْ بالأخلاق الفاضلة فإن حب الدنيا رأس كل خطيئة. وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ فيه أن المعطي يجب أن لا ينظر إلا إلى الله ولا يمنّ على الفقير أصلا وَسَتُرَدُّونَ بأقدام أعمالكم إلى الله الذي يعلم ما غاب عنكم من نتائج أعمالكم وما غبتم عنه من التقدير الأزلي وما تشاهدون بالعيون والقلوب في عالمي الملك والملكوت. وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ أخرت توبتهم ليتردّدوا بين الخوف والرجاء فيطيروا بجناحي القبض والبسط إلى أن يصلوا إلى سرادقات الهيبة والأنس. وَاللَّهُ عَلِيمٌ بتربية عباده حَكِيمٌ فيما يفعل من القبول والرد. وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا في عالم الطبيعة مزبلة النفس مَسْجِداً ضِراراً لأرباب الحقيقة وَكُفْراً بأحوالهم لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ هم أهل الإباحة من مدعي الفقر لا تَقُمْ يا رسول الروح.
أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى هو مسجد القلب جبل على العبودية والطاعة مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ من الميثاق رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا هم الأوصاف الحميدة والملكات المزكاة عن دنس الطبيعة ولوث الحدوث. ثم ميز بين أهل السعادة والشقاوة فقال: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ أي جبل على الخير وما فيه رضا الله لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً لأنهم جبلوا على الشقاء إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ غيروا عن طباعهم وذلك محال أو لا يزال يسري من مزبلة النفس وسخ وظلمة إلى قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم غيروا عن طباعهم وذلك بسكين الرياضة فتزول عنها تلك الملكات.