للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوصل أولى لأن «لكن» تقتضي الوصل أيضا حَسَناتٍ ط رَحِيماً هـ مَتاباً هـ الزُّورَ هـ لا كِراماً هـ وَعُمْياناً هـ إِماماً هـ وَسَلاماً هـ لا لاتصال الحال فِيها ط وَمُقاماً هـ دُعاؤُكُمْ ج لاختلاف الجملتين لِزاماً هـ.

[التفسير:]

إنه سبحانه لما قرر سيرة القوم من كفران النعمة وإيذاء النبي أراد تهييج نبيه على استمرار الدعوة. وفي الآية لطف ممزوج بنوع تأديب وإرشاد وفحواه ولو شئنا لخففنا عنك أعباء نذارة جميع القرى، وبعثنا في كل قرية نبيا، ولكن خصصناك برسالة الثقلين إجلالا وتعظيما، فقابل هذا التفضل بالتشدد في الدين ففي أول الآية بيان كمال الاقتدار وأنه لا حاجة به إلى نبي محمدا كان أو غيره، ولكن في مفهوم «لو» دلالة على أنه لم يفعل ذلك بل خصه بهذا المنصب الشريف لكمال العناية به وبأمته، فعليه أن يترك طاعة الكافرين فيما يريدونه عليه مما يوافق أهواءهم. النهي كقولك للمتحرك «لا تسكن» لا كقولك للساكن «لا تسكن» فإنه صلى الله عليه وسلم لم يترك طاعة الله طرفة عين. ثم بالغ في النهي بأن أمره بضدّه قائلا وَجاهِدْهُمْ بِهِ أي بالقرآن أو بترك طاعتهم أو بسبب كونك نذير القرى كلها لأنه لو بعث في كل قرية نذيرا لم يكن على كل نذير إلا مجاهدة قريته. وحين اقتصر على نذير واحد لكل القرى وهو محمد صلى الله عليه وسلم فلا جرم اجتمع عليه تلك المجاهدات كلها فكبر جهاده وعظم وصار جامعا لكل مجاهدة، ثم ذكر دليلا رابعا على التوحيد فقال وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ أي خلاهما وأرسلهما متجاورين متلاصقين. يقال: مرجت الدابة أي خليتها لترعى. وسمى الماءين الكثيرين بحرين. والفرات البليغ العذوبة، والتركيب يدل على كسره العطش بخلاف الأجاج وهو الملح فإنه يدل على الشدة والتوهج. وقوله هذا إشارة إلى ما ارتسم في الذهن بعد ذكر البحرين والبرزخ الحائل الذي جعل الله بينهما من قدرته يفصل بينهما ويمنعهما التمازج وَحِجْراً مَحْجُوراً كلمة يقولها المتعوّذ كما قلنا في السورة كأن كل واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه ويقول له هذا القول، ونظيره في سورة الرحمن بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ [الرحمن: ٢٠] فانتفاء البغي ثمة كالتعوّذ هاهنا وكل منهما مجاز في غاية الحسن. سؤال: لا وجود للبحر العذب فكيف ذكره الله تعالى؟ والجواب من وجهين: أحدهما أن في البحار مواضع فيها مياه عذبة يعرفها الملاحون يحمل منها الماء إلى حين الوصول إلى الموضع الآخر. وثانيهما لعل المراد من البحر العذب الأودية العظام كالنيل والفرات وجيحون، ومن البحر الأجاج البحار المشهورة، والبرزخ بينهما الحائل من الأرض ووجه الاستدلال على هذا الوجه أن يقال: العذوبة والملوحة إن كانتا بسبب طبيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>