للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمرين المعظمين مع اتفاق الجملتين. يَفْتَرُونَ هـ عاماً ط لحق الحذف أي فلم يؤمنوا فأخذهم الطُّوفانُ ط ظالِمُونَ هـ لِلْعالَمِينَ هـ.

[التفسير:]

إنه سبحانه لما قال في خواتيم السور المتقدمة إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: ٨٥] أي إلى مكة ظاهرا ظافرا، وكان في ذلك الرد من احتمال مشاق الحوادث ما كان قال بعده الم أَحَسِبَ النَّاسُ إلى قوله وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ بالجهاد أو نقول: لما أمر بالدعاء إلى الدين القويم في قوله وَادْعُ إِلى رَبِّكَ [القصص: ٨٧] وكان دونه من المتاعب وأعباء الرسالة ما لا يخفى، بدأ السورة بما يهوّن على النفس بعض ذلك. وأيضا لما بين أن كل هالك له رجوع إليه، ردّ على منكري الحشر بأن الأمر ليس على ما حسبوه ولكنهم يكلفون في دار الدنيا ثم يرجعون إلى مقام الجزء والحساب. قال أهل البرهان: وقوع الاستفهام بعد «ألم» يدل على استقلالها وانقطاعها عما بعدها في هذه السورة وفي غيرها من السور. وفي تصدير السورة بأمثال هذه الحروف تنبيه للمخاطب وإيقاظ له من سنة الغفلة كما يقدم لذلك كلام له معنى مفهوم كقول القائل: اسمع وكن لي. ولا يقدم إلا إذا كان في الحديث شأن وبالخطاب اهتمام، ولهذا ورد بعد هذه الحروف ذكر الكتاب أو التنزيل أو القرآن الذي لا يخفى غناؤه والاهتمام بشأنه كقوله الم ذلِكَ الْكِتابُ [البقرة: ١] الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ [آل عمران: ١] المص كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ [الأعراف: ١] يس وَالْقُرْآنِ [يس: ١] ص وَالْقُرْآنِ [ص: ١] الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ [السجدة:

١] إلا ثلاث سور كهيعص [مريم: ١] الم أَحَسِبَ النَّاسُ الم غُلِبَتِ الرُّومُ [الروم:

١] ولا يخفى أن ما بعد حروف التهجي فيها من الأمور العظام التي يحق أن ينبه عليها بيانه في هذه السورة أن القرآن ثقله وعبؤه بما فيه من التكاليف، وبيانه في سورة مريم ظاهر، لأن خلق الولد فيما بين الشيخ الفاني والعجوز العاقر معجز. وكذا الإخبار عن غلبة الروم قبل وقوعها. ومعنى الآية راجع إلى أن الناس لا يتركون بمجرد التلفظ بكلمة الإيمان بل يؤمرون بأنواع التكاليف. واختلفوا في سبب نزولها فقيل: نزلت في عمار بن ياسر والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وكانوا يعذبون بمكة. وقيل: نزلت في أقوام هاجروا وتبعهم الكفار فاستشهد بعضهم ونجا الباقون.

وقيل: في مهجع بن عبد الله مولى عمر بن الخطاب وهو أول قتيل من المسلمين، رماه عامر بن الحضرمي يوم بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيد الشهداء مهجع، وهو أول من يدعى إلى باب الجنة من هذه الأمة.

قال جار الله: مفعولا الحسبان الترك وعلته والتقدير: أحسبوا تركهم غير مفتونين لقولهم آمنا. قال: والترك بمعنى التصيير. فقوله وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ حال سدّ مسدّ ثاني مفعوليه. وقال آخرون: تقديره

<<  <  ج: ص:  >  >>