وعن الكلبي: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب. وقال الجبائي: هم العلماء والدعاة إلى الدين في كل حين ثم أعاد ذكر المكذبين وما عليهم من الوعيد فقال وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا قال ابن عباس: يريد أهل مكة والظاهر أنه عام. والاستدراج استفعال من الدرجة ومنه درج الصبي إذا قارب بين خطاه، وأدرج الكتاب إذا طواه شيئا بعد شيء. ومعنى الآية سنقربهم إلى ما يهلكهم ويضاعف عقابهم مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ ما يراد بهم. وذلك أنهم كلما أقدموا على ذنب فتح الله عليهم بابا من أبواب الخير فيزدادون بطرا وانهماكا في الغي والفساد، ثم يأخذهم أغفل ما يكونون وَأُمْلِي لَهُمْ أطيل لهم مدة عمرهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ عن ابن عباس: يريد أن مكري شديد والمتين من كل شيء هو القوي. يقال متن متانة. واحتجت الأشاعرة بألفاظ الاستدراج والإملاء والكيد في مسألة القضاء والقدر حتى قال بعض المجبرة: المراد سنستدرجهم إلى الكفر مع أنه فاسد لأن جزاء الكفر لا يكون كفرا آخر. وحملها المعتزلة على أن المراد سنستدرجهم إلى العقوبات إما في الدنيا وفي الآخرة، وزيف بأن هذا الاستدراج والإمهال مما يزيد الكافر به كفرا وعتوا واستحقاقا للعقاب، فلو أراد به الخير لأماته قبل أن يصير مستوجبا لتلك الزيادات من العقوبة بل كان يجب في حكمته ورعايته للأصلح أن لا يخلقه ابتداء، أو يميته قبل التكليف فلما خلقه وألقاه في ورطة التكليف وأمهله ومكنه من المعاصي مع علمه بأن كل ذلك لا يفيده إلا مزيد استحقاق العقاب علمنا أنه ما خلقه إلا للنار كما قال وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ الآية.
[التأويل:]
وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ لم يقل «ربكم» ليعلم أن في الآية غموضا لا يطلع عليه غيره صلى الله عليه وسلم وغير من أنعم الله به عليه من خواص متابعيه صلى الله عليه وسلم، وأنه تعالى لم يكلم أحدا وهو يجيبه في العدم إلا بني آدم كلمهم وهم غير موجودين وأجابوه وهم معدومون فجرى بالجود ما جرى لا بالوجود، فهذا بدايتهم وإلى أن تنتهي نهايتهم بأن يكون الله تعالى سمعهم وأبصارهم وألسنتهم إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا بأن رضوا بالأثنينية وما جعلوا إلى الوحدة بالفناء في الله بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ الذين أبطلوا استعداد الرجوع إلى الوحدة لله وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ بهذه الدلالات من البداية إلى النهاية وهو مقام الوحدة فَانْسَلَخَ مِنْها أي وقع فرخ همته العلية عن ذكر طلب الحق ومحبته فأدركته هزة الشيطان وجعلته من الهالكين ليعلم أن المعصوم من عصمة الله وأن السلك الواصل يجب أن لا يأمن مكر الله فلا يفتح على نفسه أبواب التنعم والترفه، ولا يميل إلى حب المال والجاه وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً وهم مظاهر القهر فَادْعُوهُ بِها بأن تتصفوا بصفاته بالنيات الصالحات وبالأعمال الزاكيات ثم تتخلقوا بها بالأحوال بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سوى الله