للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخصوص السبب. وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً وليعطهم عطاء جميلا فعل ما فعل وما فعله إلا لذلك. قال القاضي: ولولا أن المفسرين أجمعوا على أن معنى البلاء هاهنا النعمة وإلا لكان يحتمل المحنة أي الذي فعله تعالى يوم بدر كان كالسبب في حصول تكليف شاق عليهم فيما بعد ذلك من الغزوات. إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لكلامكم عَلِيمٌ بضمائركم. وهذا يجري مجرى التحذير والترهيب كيلا يغتر العبد بظواهر الأمور ذلِكُمْ الغرض أي الغرض ذلكم وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ إعرابه كما مر في قوله وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ [الأنفال: ١٤] قال ابن عباس: ينبىء رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول إني قد أوهنت كيد عدوّك حتى قتلت جبابرتهم وأسرت أشرافهم.

قال السدي والكلبي والحسن: كان المشركين حين خرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة أخذوا بأستار الكعبة وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين وأهدى الفئتين وأكرم الحزبين وأفضل الدينين فأنزل الله تعالى خطابا لهم على سبيل التهكم إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ

وقال عكرمة: قال المشركون:

اللهم لا نعرف ما جاء به محمد فافتح بيننا وبينه بالحق فنزلت. وروي أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم أينا كان أفجر وأقطع للرحم فأحنه اليوم أي فأهلكه. وقيل: إنه خطاب للمؤمنين الذين استغاثوا الله وطلبوا النصر. ثم خاطب الكفار بقوله وَإِنْ تَنْتَهُوا أي عن عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وأسلم وإن تعودوا لمحاربته نعد لنصرته عليكم.

وجوّز بعضهم أن يكون الخطاب في الجميع للمؤمنين أي إن تكفوا عن المنازعة في أمر القتال أو عن طلب الفداء فهو خير لكم وَإِنْ تَعُودُوا إلى تلك المنازعات نَعُدْ إلى ترك نصرتكم. ثم ختم الآية بقوله وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ تقديره على قراءة الفتح ولأن الله معين المؤمنين كان ذلك.

[التأويل:]

إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً فيه تغليب الحال إلى ضده بأمر التكوين كما قال للنار كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ [الأنبياء: ٦٩] كذلك قال للخوف كن أمنا على محمد وأصحابه فكان يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ من سماء الروحانية ماء الإلهام الرباني لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ من دنس الصفات النفسانية والحيوانية وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ وساوس الشيطان وهواجسه وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ بالصدق والإخلاص والمحبة والتوكل واليقين وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ على طريق الطلب أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا فيه أن التثبيت من الله لا من غيره، وكذلك إلقاء الرعب في قلوبهم وغير ذلك. إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إذا لقيتم كفار النفوس وصفاتها مجتمعين على قهر القلوب وصفاتها فلا تنهزموا فتقعوا عن صراط الطلب إِلَّا مُتَحَرِّفاً إلا قلبا يتحرف ليتهيأ لأسباب القتال مع النفس أو راجعا إلى الاستمداد من

<<  <  ج: ص:  >  >>