تبرأ عن الأضداد والأنداد ونزعته همة الخلة عن الجهات وخلصه تجلي صفة الجمال عن شبكة الوهم والخيال. فقال يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ وقد يدور في الخلد أن إبراهيم صلوات الله الرحمن عليه جن عليه ظلمة الشبهة فنظر أولا في عالم الأجسام فوجدها آفلة في أفق التغير فلم يرها تصلح للإلهية، فارتقى منها إلى عالم النفوس المدبرة للأجسام فرآها آفلة في أفق الاستكمال فكان حكمها حكم ما دونها فصعد منها إلى عالم العقول المجردة، فصادفها آفلة في أفق الإمكان فلم يبق إلا الواجب الحق. ومن الناس من حمل الكوكب على الحس، والقمر على الخيال، والشمس على الوهم والعقل، ومراده أن هذه القوى المدركة الثلاثة قاصرة متناهية القوة، ومدبر العالم قاهر لها مستول عليها وَحاجَّهُ قَوْمُهُ ليسبلوا ستور شبههم على شموس عرفانه، وقد هداني إليه بالعيان بعد توالي البرهان إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً من الخذلان وهذا محال لأنه وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً فهو أعلم بأهل العرفان وبأصحاب الخذلان وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ بشرك الالتفات إلى غيره من الأكوان حتى قال لجبريل: أما إليك فلا وَتِلْكَ يعني إراءة الملكوت وشواهد الربوبية في مرآة الكواكب وصدق التوجه إلى الحق والتبري عما سواه والخلاص عن شرك الأنانية والإيمان الحقيقي بالعيان حتى ارتقى من الأفعال إلى الصفات ثم إلى الذات آتَيْناها إِبْراهِيمَ بذاتنا من غير واسطة حتى جعلها حجة على قومه نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ بجذبات الألوهية عن حضيض الأنانية الله حسبي.